قضايا وآراء

مملكة السمع والطاعة تُنتج نفطاً ومعارضات!

| د. بسام أبو عبد الله

لا أدري لماذا اختيرت مملكة محمد بن عبد الوهاب التقدمية جداً، والديمقراطية في النشأة، والممارسة مكاناً لترتيب أوراق المعارضات السورية- الأممية قبيل استئناف مسار فيينا الذي تحدث عن علمانية الدولة السورية… وعن الديمقراطية، والحريات، وليس عن فتاوى جهاد النكاح، والمحاكم الشرعية، وقطع الرؤوس، وأكل الأكباد، وإنشاء إمارات وهابية ومستوطنات لجهاديين مزعومين من كل أنحاء العالم..
ولا أستطيع أن أفهم كيف يمكن لما يسمى «جيش الإسلام» الذراع الوهابية في ريف دمشق، أن يتحول إلى تنظيم سياسي يؤمن بالديمقراطية، والانتخابات الحرة، ودور المرأة في المجتمع، واحترام الحريات العامة، وحق الاختلاف مع الآخر، وهو مولود وهابي من رحم استخبارات آل سعود، وأموال النفط السعودية، وإطاعة أولي الأمر… وكيف يمكن لمن يضع البشر في أقفاص حديدية أن يتقبل حرية الفكر، والمعرفة ويطلق العنان للعقل البشري في عصر تدفق المعلومات، والتنافس التكنولوجي- إنه أمر غريب عجيب!
ثم كيف يمكن لما يسمى حركة «أحرار الشام» والصحيح «أشرار الشام» والتي هي جزء من تنظيم القاعدة، وبايعت الظواهري علناً في بياناتها ومنشوراتها، وتضم في قياداتها، ومحركات أعمالها الإرهابية أجانب من جنسيات غير سورية، وخاصة من السعودية، وغيرها أن تتقبل علمانية الدولة السورية، والديمقراطية، والانتخابات، وغير ذلك من المبادئ التي يفترض أنها ستشكل أسس بناء سورية المستقبل.. تنظيم (أشرار الشام) هذا فتحت له صحف غربية من الواشنطن بوست، إلى صحف بريطانية بهدف تبييض صفحته، وتقديمه على أنه تنظيم سوري مما يسمى (معارضة معتدلة)، على الرغم من أنه بايع (الملا عمر) الذي يعيش في أدغال أفغانستان، ويمثل النسخة الوهابية الأفغانية..
مملكة الكراهية، والحقد الوهابي ضمت إلى هذه التنظيمات الإرهابية ما يسمى (فيلق الشام) الذي هو جزء من جيش الفتح الذي غزا إدلب وقتل الناس على أساس مذهبي وطائفي، ورفع أعلام القاعدة المفترض أنه تنظيم إرهابي يلاحقه الأميركان منذ عام 2001، كما ضم تنظيمات إخوانية تتبع لحزب العثمانية الجديدة في تركيا.
من الواضح أنها فضيحة جديدة ضمن مخاضات شهدتها الحرب على سورية، فآل سعود يريدون عرقلة فيينا، ويريدون الإيحاء بأن هذه التنظيمات الإرهابية تمثل حالة سياسية، وليس حالة إرهابية، وهم بالمجموع يعارضون علمانية الدولة، ولا يوافقون إلا على النمط الوهابي المتخلف، والمعادي للقيم الإنسانية، وللحريات، وللبشر، وسيسعى آل سعود عبر عادل الجبير، أو كما قيل عبر الأمير محمد بن فيصل آل سعود ابن شقيقة سعود الفيصل إلى كتابة بيان باسم هذه التجمعات يعبر عن وجهة نظر مملكة النفط هذه، وليس عن إرادة حرة لسوريين فالإرادة الحرة لا تصنع، ولا تعبر عن نفسها في مملكة أقل ما يقال عنها إنها تنتسب إلى ما قبل العصر الجاهلي، وإلى ممالك القرون الوسطى شكلاً، ومضموناً، وسياسة، وممارسات، فمملكة تقطع رؤوس أكثر من مئة شخص في هذا العام كما تفعل داعش لا يمكن لها أن تنتج معارضات إلا على شاكلتها، ونمط تفكيرها، وممارسات حكامها، ومن العار على هؤلاء المجتمعين أن يكون مآل كل ما تحدثوا لنا عنه طوال سنوات في مملكة القهر، وأقفاص الحديد، وقطع الرؤوس، والأيدي، وحتى الفكر، والشعر، والثقافة والإبداع.
اللوم، والانتقاد ليسا موجهين لتنظيمات ولدت من رحم الوهابية، واستخباراتها، وهي معروفة بممارسات القتل، والكراهية، بإيديولوجياتها وكلام زعمائها، ولكن اللوم- والانتقاد موجهان إلى ما يسمى هيئة التنسيق الوطنية، وإلى بعض رموز اليسار، ومدعي العلمانية الذين انتهى مآل كلامهم، وادعاءاتهم طوال سنوات في أحضان طويلي العمر، وفي أحضان البترودولار، وهؤلاء كما أراهم أكثر خطورة، وانبطاحاً من تلك التنظيمات لأنهم ببساطة يقولون ما لا يفعلون، فترتيب بيت المعارضة السورية لا يمكن أن يكون في أحضان الرياض حتى لو كُلفت من قبل مؤتمر فيينا، لأن من كلفها بذلك على ما أعتقد يحتقر الطرفين السعودي وهذه المعارضات التي صدعت رؤوسنا بنظريات الحريات، وحقوق الإنسان لينتهي المطاف بها في أحضان أعداء الحرية، وقاطعي الرؤوس، وناشري ثقافة الكراهية والحقد في العالم.
واضح تماماً أن الغرب يكذب، وينافق حينما يتحدث عن شعارات براقة، فالممارسات تكشف بفجور كبير أن ما يهمه هو تحقيق مصالحه بذراع داعش، والقاعدة، وأصحاب اللحى الملوثة بالسرقة، والنهب، وفتاوى الوهابية، وأن انبطاح بعض مدعي الثقافة أمام قيم الغرب يدل على استلاب فكري لن يشعر به هؤلاء إلا بعد قطع رؤوسهم من زملائهم في المعارضة!! من إخوان، ووهابيين.
هنا لا يمكن لنا إلا أن نعبر عن احترامنا لأولئك المعارضين الذين رفضوا الذهاب إلى حضن الوهابية، وهم بهذا يعبرون على الأقل عن انسجامهم مع ما كانوا يطرحونه من شعارات، ومطالبات، فالديمقراطية لا تُصنع من خلال فنادق آل سعود، أو الدوحة، أو حتى إخوان تركيا، إنما تصنع من الشعب السوري الذي دفع دماً- وضحايا من أجل مستقبل أفضل، وليس من أجل أن يعود به هؤلاء إلى غياهب التاريخ، والماضي الأسود، والمستقبل الأغبر.
هنيئاً للمجتمعين في الرياض ديمقراطيتهم الوهابية الجديدة، وهنيئاً لهم تكفيريين، وعلمانيين، وديمقراطيين، ويساريين خاتم آل سعود على نسختهم الجديدة من الديمقراطية التي ستعدم شاعراً على قصيدة، ومراهقاً على تظاهرة وعالماً على حرية الكلمة، ولسوف يكتب التاريخ طويلاً عن مؤتمر الرياض للنفاق، والتكاذب الديمقراطي في عصر الثورات- والربيع العربي.. في عصر المحيسني، وزعران علوش، والعريفي، والقرضاوي، ورجب اردوغان وخازن الديمقراطيات، والمعارضات في العالم العربي سلمان بن عبد العزيز.
قد يقول البعض إن ذلك عمل سياسي، ولا بد من المرونة من البعض لإيجاد الحلول، وإنتاج التسويات- هذا ممكن، لكني أجزم أنه بالتأكيد لا يمكن أن يكون في حضن الوهابية الإجرامي- والعقيم، ولا يمكن أن يكون من لحى تقطر بدماء أطفال سورية ونساء سورية، ورجال سورية..
فلتسقط الديمقراطية إذا كانت ستنتج لنا في معامل- ومختبرات أصحاب السمع والطاعة.. لتقدم لنا مرتزقة جدداً أكثر مما لدينا بكثير..
دمتم، ودامت ديمقراطيتكم الوهابية بألف خير!!

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن