ثقافة وفن

أنواع الخطوط تزدهر في المدرسة الجقمقيّة مجدداً … ملتقى الخط العربي… خطوط عمرها 650 عاماً

| عامر فؤاد عامر – تصوير: طارق السعدوني

«تعلم أصول الخط واسعد بفضله.. فإن جمال الخط من خالص النعم»
تشهد أحاديث وكلمات الباحثين والمهتمين والمزاولين لمهنة الخط العربي بأن سورية هي المكان الأفضل والبيئة الأرقى ليعيش فيه الخط العربي على أنواعه وعلى جمال لوحاته، ودائماً للخطاط السوري حضوره المهم والمميز في كلّ الملتقيات والمسابقات الدوليّة التي تعنى بالخط العربي، وهذا ما نلمسه في نتائجها كلّها إن كانت في العالم العربي أو الإسلامي كله، واليوم يبقى لفاعليّاتنا المحليّة خصوصيّتها وجماليّتها، فهي تغني المهتمين بهذا النوع من الإبداع وتدفعهم للاستمرار في تطويره، وتقديم أفضل ما يمكن فيه من تقنيّة وتشكيل، وهذا ما لمسناه في ملتقى الخط العربي المقام في متحف الخط العربي، الذي جاء برعاية المديريّة العامة للآثار والمتاحف والمعهد التقاني للفنون التطبيقيّة في دمشق.

أهداف الملتقى

مدير معهد الفنون التطبيقيّة في دمشق «طلال البيطار» وفي تصريح خاص لـ(الوطن) يقول: «المشاركة في هذا الملتقى حمل 3 أهداف الأول منها هي أنّنا موجودون – كأساتذة وطلاب – هنا في سورية رغم كلّ الضغوط والظروف القاسية التي واجهناها من العالم كله، وأنّ الوطن بخير وسيبقى، والهدف الثاني هو المنحى التعليمي الذي استفاد منه مرتادي المتحف الخط العربي، فكان هناك من طلاب المعهد التقاني ومن مهتمين بمادة الخط من خارج المعهد، ومن ثم هذا الملتقى يعزز الناحية العلميّة لديهم، أما الهدف الثالث من هذا الملتقى فهو التعريف والإعلان عن هذا المكان – المدرسة الجقمقيّة – الأثري الجميل الذي يحمل لوحات تراثيّة في الخط العربي على أنواعه، فهو متحف جميل جداً وكثير من الناس بحاجة الى أن تطلع عليه وتتعرف اليه والى مدى القيمة الأثريّة والتاريخيّة التي يحملها هذا المكان».

المراقبة والممارسة
التقينا أحد الخطاطين المتطوعين في ملتقى الخط العربي الخطاط «كمال الكردي» الذي يقوم بدور مشرف على الطلاب الذين يأخذون الدروس في الخط العربي ويقول عن تجربته: «حوالي 35 لوحة موزعة في المعرض يمكن للمتلقي من خلال مراقبتها وتأملها أن يكتنز فائدة في كيفيّة تشكيل الخط، ولاسيما أن المهتمين بالملتقى هم طلاب من المعهد التقاني ومن كليّة الفنون الجميلة وغيرها من كليات الجامعة، وجميعهم مهتمّ بالخط العربي، إضافة إلى حقل التجربة العمليّة، ففي أيام الملتقى أشرف على الطلاب، وهم يحاولون تدريب أياديهم على الكتابة وأعلمهم الطريقة السليمة لتشكيل الحرف بأنواع الخطوط، ومن ثم يستفيدون بالتشجيع والتوجيه، فالخط العربي يحتاج الى الممارسة الفعليّة من الطالب».

من أجواء الملتقى
يجتمع الطلاب على مدار ساعات النهار في متحف الخط العربي ليمنحوا وقتهم في التدرب على كيفيّة استخدام الريشة أو القصبة أو الأقلام المخصصة للكتابة فيتمرسوا ويلينوا أياديهم لتكون أكثر طوعاً في تشكيل اللوحة النهائيّة، ومن بين المرتادين التقينا «أنس زين العابدين» أحد المشاركين والمهتمين في الخط العربي الذي يقول: «أحبّ الخط العربي كونه الخط القرآني الذي حمل المصحف إلى أيامنا هذه، وجاءت هذه المشاركة بعد مشاركتي في دورة كانت في الصيف الماضي، وكانت في مدّة 3 أشهر تعلمت خلالها الكثير، واليوم في الملتقى أتمم التجربة، وأدرب نفسي أكثر على إتقان الخط العربي». وأيضاً «سلام الخطيب» التي تدرس في كليّة الأدب العربي – سنة رابعة، وتقول عن نفسها: «أنا هاوية للخط العربي، وقد التقيت الخطاط «كمال الكردي» في أحد الفاعليّات التابعة للأمانة السوريّة العامة، التي لاحظ فيها جمال الخط الذي كتبت به، فدعاني الى صقل مقدرتي في الكتابة، وهكذا رغبت في المشاركة بهذا الملتقى، واليوم فهمت تماماً بأن كلما تدربت أكثر أتقنت الخط العربي». أيضاً «مصطفى المدني» التقيناه في فترة التدريب على الكتابة وهو طالب في كليّة الأدب العربي – سنة أولى يقول عن نفسه: «أحبّبت الخط العربي منذ صغري، والبداية كانت في عمر 14 وواظبت على ارتياده باستمرار، واليوم أتدرب لدى الأستاذ «كمال الكردي» وأحاول الاستفادة من كلّ ما يتاح لي لأتعلّم أكثر في هذا المجال». أمّا «راما ماجيك» الطالبة في المعهد التقاني للفنون التطبيقيّة – قسم الخط العربي فتضيف عن التجربة في الملتقى: «كلّ يوم نجتمع هنا بعد الانتهاء من الدوام الدراسي، ونتدرب بما يمكننا وما يتاح لنا من وقت ومعلومات، وأحاول الاستفادة من كلّ ذلك، الخط يعلم الهدوء والصبر، وهو فنّ السهل الممتنع».

حكاية الماضي للحاضر
سحرٌ خاصّ في المكان الذي حمل أجواء الملتقى فاحتضنها بين لوحات معروضة ومهتمين من أعمار متنوعة، لكن للحكاية بداية مبكرة حملته المدرسة الجقمقيّة فكانت الجدران تتباهى في تفردها بصنيع عمارتها المختلف عن أي مدرسة تقليديّة أو حديثة، ففيها من البها العمراني ومن لوحات الكتابة بالخط العربي القديمة التي حملت من العمر مئات السنوات الماضية من التاريخ، واليوم هذه المدرسة تحولت الى متحف كانت بدايته الأولى في العام 1974 ليكون منارة تجمع بين القديم والحديث وسيكون لنا وقفة قادمة مع هذا المكان في قيمته التاريخيّة والأثريّة والعلميّة التي نفخر بها، والتقينا أمينة متحف الخط العربي «إلهام محفوض» والتي قدّمت لنا معلومات مهمّة عن المكان وعن الملتقى واقتطفنا من حديثها ما يلي: «تمت الموافقة على إقامة الملتقى من المديرية العامة للأثار والمتاحف بالتعاون مع المعهد التقاني للفنون التطبيقيّة واتفقنا على القيام بأعمال الملتقى الذي يتألف من عدّة نشاطات، ومنها عرض نماذج من أعمال خريجي قسم الخط العربي في المعهد التقاني، وهذه اللوحات متنوعة في أنواع الخط العربي، البناء بحدّ ذاته – المدرسة الجقمقيّة – فيه الكثير من الكتابات التاريخيّة الجميلة التي انتشرت داخل المكان وعلى محيطه الخارجي أيضاً، وهذا المتحف كان مدرسة ومنارة لطلب العلم وذكرت المصادر التاريخيّة بأن جزءاً من اهتماماتها كان في تعليم الخط العربي وتدريب الطلاب عليه، وهذا قبل أكثر من 650 عاماً واليوم يعدّ الملتقى فرصة لإحياء هذا المكان وفرصة ليتعرف ابن البلد الى التراث وإغناء انتماء أبناء البلد به، ومن ثم الجهود والأهداف كثيرة من إقامة هذا الملتقى».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن