قضايا وآراء

بين إخفاق «المعارضات» ووهن «المصالحات»: لماذا لا نفكر بطريقةٍ مختلفة؟

| فرنسا – فراس عزيز ديب

التفكير بطريقةٍ مختلفة عن السياق العام هو أسلوب يجعل مساحات الرؤية العامة لدينا أوسع، هذا الأمر يفتح آفاقاً جديدةٍ قد لا نراها عندما نكون منقادين لأسلوب التفكير الجَمعي.
على المستوى الداخلي، ما زلنا نسمي «بعض» ما يجري من اتفاقياتٍ بين المسلحين والدولة لخروج المسلحين بـ«اتفاق المصالحة»، أو على الأقل هكذا سمى محافظ حمص ما جرى من خروج للمسلحين من حي «الوعر». بالأمس كان الرد «تصالحياً» بامتياز، عبر اشتعال حي «الزهراء» بسلسلةِ انفجاراتٍ أدت لسقوط العديد من الشهداء والجرحى، فمتى سنفكر بطريقةٍ مختلفةٍ ونتساءل: ألم يشاهِد القائِمون على ما جرى ما قاله أحد الإرهابيين المغادرين بأن هناك «إخوة بقوا في الحي ومارح يقصروا!!»، كيف ضمن القائمون على ما جرى أن مَنْ تبقى من مسلحين هم حمامات سلام؟
دخلت القوات التركية مدينة «الموصل» العراقية، في انتهاكٍ واضحٍ للسيادة العراقية. من السذاجة النظر لما جرى بهذا التبسيط وتكرار عبارات من قبيل «تخبط» أو «ضياع» النظام التركي. ذكرنا في أكثر من مناسبةٍ أن الأطماع العثمانية لها محوران؛ هما «الموصل» في العراق و«حلب» في سورية.
إن ردة الفعل الضعيفة للمسؤولين العراقيين كانت مناسَبَةً لاستعراضٍ أكبر للقوة من الأتراك، ربما ضعف الرد العراقي له مبرراته، تحديداً إن معظم الطبقة الحاكمة في العراق منذ سقوط «صدام حسين» هم المرتبطون بشكلٍ أو بآخرٍ بالغزو الأميركي للعراق، أي أنهم لا يستطيعون الحديث عن السيادة وهم من ساهم أساساً بانتهاك سيادة بلادهم.
قد يرى البعض أن ما جرى هو ردٌ تركي على التوسع الروسي في سورية، وبصورةٍ أشمل هو رسالةٌ أميركيةٌ للمحور(الروسي- السوري- الإيراني) بأنها لم تتدخل بعد، بل أرسلت تابعها، إلا أن الأمر يبدو بعيداً تحديداً أن العراق بصورةٍ أو بأخرى لازال نصفه على الأقل تائهاً بين داعش و«إسرائيل الشمال» والقواعد الأميركية. لكن ماذا لو كان ما جرى في «الموصل» لا يعدو كونه «بروفةً» يتم التحضير لها للمغامرة (التركية- الخليجية) في سورية، بذريعة استجلاب مدربين لمن يقاتل تنظيم داعش، كونها الطريقة الوحيدة أمام الأتراك للإبقاء على نيران التوتر في المنطقة بالحد الأعلى، حتى التصريحات المتتالية عن المناطق العازلة وإصرار الأميركي على رفضها تبدو في هذا السياق، أي وضع الجميع أمام الأمر الواقع -تماماً كما جرى بحادث إسقاط الطائرة الروسية- تحديداً أن مرتزقة أردوغان ينهارون تباعاً على جبهة ريفي اللاذقية وحلب الجنوبي، فهل سيتدخلون لمحاولة انقاد ما يمكن إنقاذه في الوقت الضائع على جبهة حلب الشمالية؟!
لنراقب ملياً أكاذيب «داوود أوغلو» عن عمليات «التطهير العرقي» في سورية، هي لم تقف عند هذا الحد، بل اتبعها تغطياتٌ مستمرة لقناة «آل ثاني» تتحدث عن ذات المنحى، بل وقدموا عملية خروج أغلبية المسلحين من حي «الوعر» في حمص على أنها «إفراغٌ للسنة من حمص». عليه لا يبدو أن الأتراك سيقتنعون بالواقع، والأهم أن نكف عن تصوير ما يجري بأن أردوغان يتصرف فقط بمرجعيةٍ أميركية، لماذا لا نفكر بطريقةٍ مختلفةٍ؟ حتى المجرم عندما يشعر بدنو أجله، فإنه يخرج عن إجماع مريديّه، فلماذا لا نقول إن أردوغان مثله مثل باقي القوى بات يستشعر فعلياً الضعف والوهن الأميركي الذي لن يحميه بعد افتضاح أمره، فيريد المزيد من إشعال النار، فهل سيعجِّل إخفاق اجتماع المعارضات السورية في «الرياض» بتهور الرعناء؟
بعد انتهاء اجتماع فيينا، سُئِل وزير الخارجية الأميركي في المؤتمر الصحفي: وماذا عن «السعودية»؟ قال: إن «السعودية» وقَّعت على الاتفاق، وعليها الالتزام به. انتهى اجتماع المعارضة السورية في عاصمة الشرق للديمقراطية وحقوق الإنسان؛ الرياض. الاجتماع بإطاره العام خرج فاشلاً، ولعل أهم ما أنجزه هو الخروج بشكلٍ شبه كاملٍ عن اتفاق فيينا، وقول «آل سعود» وبشكلٍ واضحٍ (التفاوض معي أنا).
بدا البيان الختامي كأنه صوت «عادل الجبير»، انقلابٌ على فيينا، ضياعٌ في العبارات لدرجةٍ تحدثوا فيها عن «ممثلي الكتائب العسكرية في الجبهة الشمالية»، ولأنهم حاولوا القفز على الحقائق وعدم الدخول في التفاصيل، غاب عن ذهن من صاغوا البيان أن الجبهة الشمالية تضم من «راجو» حتى «عين ديوار» حدوداً تصل لـ1000 كيلو متر تقريباً، وفيها عشرات المجموعات الإرهابية وكلٌّ منها يقاتل الآخر، فكيف اختصروها بهذه الطريقة التي لا يشبهها إلا شبح الهروب منها، ثم هل هؤلاء ممثلون لـ«النصرة» و«قوات حماية الشعب» أيضاً؟ طبعاً لن نسأل هنا أين «داعش» باعتبار أن الاجتماع أساساً هو بضيافة «الأب الروحي والفكري لداعش».
كذلك الأمر لم ينجز الاجتماع حتى رؤيته لسورية المستقبلية التي على أساسها سيفاوضون الحكومة السورية، فهل هي سورية «العلمانية» فيعتكف المتأسلمون، أم سورية «الإسلامية» فتحرد «رندة قسيس».
الأهم، أن تبنِّي البيان لكلام «عادل الجبير» عن رحيل الأسد ينسف كل ما جاء في هذا الاجتماع، هذا ليس من باب التحليل فحسب، لكنه مرتبطٌ بكلامٍ قاله كيري قبل أمس بأن هناك نقطتين يجب تعديلهما في بيان الرياض، وأكد أنه سيتحدث عن هاتين النقطتين مع «آل سعود»، ولعل أهمهما هي مسألة رحيل الأسد.
ليس كلام كيري فقط ما سينسف بنود الرياض، لكن الاجتماع القادم في نيويورك لتحديد المجموعات الإرهابية سيساهم بذلك، لأنه سيؤدي لقصقصة جوانح المعارضات أكثر، وهو ربما يعني عدم التأكد تماماً من انعقاد الاجتماع يوم 18 الشهر الجاري، لربما، لأن الاتفاق لم ينضج بعد، ولعل لقاء كيري ببوتين بعد غدٍ سيفتح أفقاً للتوافق أكثر إن كان لجهةِ تحديد المجموعات الإرهابية من غيرها؟ فبماذا يفكر الطرف الآخر؟
في السياق العام يبدو الأميركي وكأنه لا يزال يماطل بالحلول، فهو بطريقةٍ ما يحاول سحب «آل سعود» من الحرب اليمنية، لكنه لم ينجح، حتى ملف انتخاب الرئيس اللبناني وما حُكي عن مبادرةٍ لانتخاب «سليمان فرنجية» رئيساً برضى أميركي فشل.
بمعنى آخر، أنهى الاجتماع الذي عقد قبل أمس بين «السيد نصر الله» و«سليمان فرنجية» الجدل حول هذه القصة، وكان الاتفاق بين الطرفين أن مرشح الثامن من آذار هو «ميشيل عون»، ولا يمكن السماح لأحد بشق الصف.
الأمر الآخر أن إيران باتت لحدٍّ ما -جزءٌ- من ارتفاع حدة التصريحات بين الروس والأتراك، لكن بوتين كان بالأمس واضحاً، وما قاله عن ضرب أي هدف قد يهدد القوات الروسية هو بمنزلة تبليغٍ لقواته بألا تنتظروا بعد اليوم أوامر بالرد، وعليه هل يترك الأميركي تركيا وقطر و«آل سعود» يخوضون مغامرة المناطق العازلة؟
لنفكر بطريقةٍ مختلفةٍ، في الوقت الذي يرى فيه الأميركي حال الارتياح الذي يتعاطى بها الطرف الآخر، فإنه يرى أن هناك انجازاتٍ كثيرة حققها في سورية. ربما هناك أهداف لم يستطع تحقيقها، لكنه قد يبدو في محصلة النتائج رابحٌ، فإن جرب حلفاؤه ونجحوا فهو شريكٌ، وإن هزموا فإنه لن يكون للأمر تأثير كبير في ما تريده الولايات المتحدة حتى الآن، فهل انتهت «بروفا الموصل» وبتنا بانتظار المشهد الأول من دخول قواتٍ تركيةٍ إلى ريف حلب بين «جرابلس» و«عفرين»؟ إن انقلاب المعارضات ومعها «آل سعود» على ما جاء في فيينا يثبت أن «الأهوج» لا رادَّ لتصرفاته إن لم يتألم، وأن لا حل إلا بالنصر العسكري، فماذا أعددنا إن حدث هذا السيناريو فعلياً؟!
هنا علينا ألا ننتظر الجواب، بل لننظر كما غيرنا لحالة الارتياح التي يتعاطى معها الحلف (الروسي- السوري- الإيراني)، ربما يجب ألا يكون الرد العسكري فقط مختلفاً، لكن حتى طريقة الرد على «عادل الجبير» يجب أن تكون بطريقةٍ مختلفةٍ، ولنكف عن الرد على مسلسل تصريحاته بالقول (إنك أصغر من التطاول على سورية)، «حفظناها»، لماذا لا نعطيه من الآخر:
الأسد لن يرحل بالمفاوضات.. نتمنى عليك أن تجرِّب الحل الثاني.. إن استطعت.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن