قضايا وآراء

البيت الأبيض والبنتاغون … يتبادلان الاتهام حول تراجع القدرة الأميركية في المنطقة

| تحسين الحلبي 

تحت عنوان: «لماذا لا تحقق الولايات المتحدة الانتصار في حروبها؟» تكشف (آنا مورلين) المتخصصة بالشؤون العسكرية الأميركية في صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) عن وجود أزمة في طريقة وصلاحيات اتخاذ القرار في وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون تجاه تحديد خطط العمل وتنفيذها في الشرق الأوسط منذ احتلال أفغانستان والعراق حيث عملت مورلين لسنوات كثيرة مراسلة حربية للصحيفة الأميركية وتقول (مورلين) إن (ميشيل فيكرز) مساعد وزير الدفاع السابق لشؤون المخابرات في عهد بوش الابن وأوباما حتى عام 2011 الذي أشرف على وضع وتنفيذ خطة تسليح «الجهاديين» ضد الاتحاد السوفييتي عام 1980 وتابع عملياتهم، يعترف الآن في آخر شهادة له قبل أيام أمام الكونغرس أن «الولايات المتحدة تحقق انتصاراً على مستوى معارك وحملات حربية ولكنها لا تحقق الانتصار في الحروب» ويوجه انتقاداً لطريقة اتخاذ القرار داخل البنتاغون والمخابرات الأميركية وعجز هاتين المؤسستين عن تقديم خطط ناجحة تحقق الانتصار للبيت الأبيض.. وتشير معلومات (مورلين) إلى وجود مخاوف أميركية من التدخل العسكري البري الأميركي عند البنتاغون والبيت الأبيض، وهذا ما يعكس حالة الجمود وعدم الابتكار في اتخاذ القرار لدى البنتاغون، وهذا ما يتضح في واقع الأمر من الاعتماد الأميركي المتزايد على المجموعات المسلحة الإرهابية وتدخل الدول المحلية الحليفة لواشنطن في (إنجاز الانتصار) المطلوب في الحروب التي تسخرهم الولايات المتحدة لخوضها في العراق وسورية واليمن فعندما ستجد واشنطن أن هزيمة هذه المجموعات الإرهابية (الجهادية) بدأت تقترب تلجأ إلى (تغيير قواعد اللعبة) وتفتح مشاريع (التفاوض بين المتنازعين) وطرح الحلول الوسط التي يراد منها المحافظة على حلفائها وبقائهم في الخريطة السياسية مهما كان حجمهم وتأثيرهم وبالمقابل يبدو من الواضح أن مختلف المجموعات الإرهابية من داعش إلى القاعدة والنصرة تدرك أهمية وجودها كأطراف يمكن لواشنطن وضع (المقاربات) وفرض التقارب معها ما دامت تسعى إلى زعزعة استقرار قوى مناهضة للهيمنة الأميركية مثل سورية وإيران واليمن وقوى قابلة وقادرة على مناهضة السياسة الأميركية والاستقلال عنها مثل العراق ولبنان والجزائر، ومصر وتونس.
ولهذه الأسباب تدرك مجموعات الإرهاب أن مصالحها ضد هذه الدول والأطراف تتقاطع مع مصالح واشنطن في عدد من الأهداف فقادة منظمة القاعدة وداعش والنصرة من بعدها وأمثال هذه المنظمات يدركون أن واشنطن تعايشت وتحالفت مع دول مثل السعودية وعلى الرغم من أن نظام الحكم السعودي (الوهابي) يتبنى منهجاً سلفياً إسلامياً فريداً في المنطقة وتتشابه إجراءاته مع إجراءات كثيرة لمجموعات القاعدة وداعش والنصرة بموجب شعارات هذه المجموعات وتصنيفها للأعداء والأصدقاء بل إن البنتاغون الأميركي نفسه يلاحظ أن إعلان القاعدة وداعش والنصرة وأمثالها الحرب الطائفية على المسيحية والشيعة لا يختلف عن إعلان السعودية الحرب على ما تسميه (الهلال الشيعي) الممتد من إيران إلى سورية ولبنان والعراق.
وكان تصريح جون ماكين رئيس لجنة الشؤون العسكرية في الكونغرس وهو من الحزب الجمهوري واضحاً في الاعتراف بهزيمة واشنطن في المعارك والحملات الإرهابية التي تشنها ضد المناهضين لسياستها حين قال إن البنتاغون لا يقدم أفكاراً وخططاً مبدعة لمجابهة هذه الانتكاسات التي تحصل للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وعدم التخلص من المناهضين لسياستها.
ويبدو أن هذا الارتباك والاضطراب الذي يسود بين أصحاب القرار الأميركي العسكري يُثبت وجوده عدد من الحقائق:
الأولى هي أن واشنطن عجزت بكل قدراتها وقدرة وكلائها في المنطقة عن الاستفراد بسورية وتفتيت قدراتها بعد خمس سنوات وبقيت تدور في الحلقة نفسها التي هزمت داخلها وبلا أي جدوى على حين أن سورية رغم التضحيات تمكنت من تحقيق صمود داخلي ومن زيادة تمتين تحالفاتها الملموسة والعملية المستمرة مع إيران وموسكو والمقاومة على مستوى الأرض والمستوى السياسي.
الثانية: تكبدت واشنطن والسعودية هزيمة ذات مغزى كبير في اليمن الذي حشدت له قوة هائلة عجزت عن السيطرة على اليمن وتحقيق أهدافها فيه.
الثالثة: إن توسيع دائرة الحرب الدولية على الإرهاب ومنظماته المعروفة وانطلاق موسكو في قيادة عمليات هذه الحرب في سورية، وفي مساعدة العراق وفي التعاون مع القاهرة ودول أخرى، جعل واشنطن تفقد قدرة كبيرة كانت توفرها لاستغلال شعار (الحرب على الإرهاب) من أجل تحقيق مصالحها الإمبريالية والهيمنة على المنطقة.
وهذا العامل الروسي في المنطقة وعلى مستوى المجتمع الدولي.
كان من أهم الأسباب التي جعلت البيت الأبيض والبنتاغون يتبادلان الاتهام حول مسؤولية هزيمة واشنطن في كل هذه المعارك والحملات الحربية في المنطقة باسم محاربة الإرهاب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن