قضايا وآراء

أردوغان: بين عصا بوتين الغليظة.. وجزرة واشنطن

| كنان محمد صقر 

أن يأمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جيش بلاده بتدمير أي هدف يهدد القوات الروسية في سورية، وذلك بعد يوم من تحذير موسكو «رؤوساً حامية في أنقرة، من مغبة القيام بأي خطوات استفزازية جديدة»، ليس بالألفاظ العابرة في عالم الدبلوماسية وتعابيرها المنتقاة بعناية، بل يحمل فيما يحمل تلويحاً بعصا موسكو الغليظة في وجه مقامرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد أن عاد ليلعب دوره المعتاد في المشاغبة على حليفه وعدوه على حد سواء، وذلك بعد تواتر الحديث عن أن «فيينا» وضعت قطار تسوية الأزمة في سورية على سكته الصحيحة بهدف التوجه إلى نيويورك خلال الأسابيع القادمة بمباركة موسكو.
وعليه يمكن للمراقب أن يعتقد أن الأحداث الماضية، من إسقاط تركيا للطائرة الحربية الروسية فوق الأراضي السورية مروراً بدخول وحدات من الجيش التركي إلى العراق وصولاً إلى مؤتمر ممثلين عن بعض «معارضات سورية» في الرياض، تتعدى حالة خلط الأوراق في المنطقة من أردوغان، إلى كونها مؤشراً على تسلسل أحداث في سيناريو «يقامر» الرئيس التركي لتظهيره في وجه حليفه في واشنطن قبل خصمه في المنطقة.
فيبدو، ومع تراجع قدرة القطب الأميركي بشكل أو بآخر على الضبط المطلق لحركة حليفه نتيجة حالة التبدل في قمة النظام الدولي، أن تركيا والسعودية وغيرهما من دول النسق الثاني في النظام الدولي والمعادية لسورية، تعتبر أنها تمتلك هامشاً من الحركة لتفجير سيناريوهات مصالحها الإقليمية الخاصة، فتقوم بحركات لإعادة حسابات الجميع سواء أكان من بوابة التلويح لواشنطن وموسكو بعدم الاتفاق على أي حل في المنطقة لا يلحظ مصالحها، أو أكان من بوابة تنامي ثقتها بالنفس لدرجة طرح سيناريو خاص لتحقيق مصالحها في الإقليم وتجاهل حسابات الآخرين، وذلك بغض النظر عن افتراض وجود مباركة ضمنية لواشنطن من عدمها..!؟
فإسقاط الطائرة الحربية الروسية لم يكن حدثاً عابراً من تركيا، بل أتبعته بمتوالية أحداث وصلت إلى مؤتمر الرياض لبعض «معارضات سورية» الذي حجبت دعواه -بإشارة تركية- عن المكون السوري الكردي، ما يؤشر إلى أن أردوغان بتغييبه هذا المكون إنما يعمل على المشاغبة على خطط واشنطن وفرض وقائع جديدة تفرض مصالحه الشخصية، وذلك بعد أن أيقن أن حليفه في البيت الأبيض لا ينوي دعم مشروعه بإقامة منطقة آمنة في الشمال السوري، بل ذهبت الأمور إلى النقيض مع التقدم السريع لقوات الجيش العربي السوري والطيران الروسي في المنطقة، وبالتالي لم يعد بإمكان أردوغان الوقوف متفرجاً مع تقاطع هذا التقدم مع حديث البعض عن «إمكانية قبول» واشنطن وتحالفها الستيني بـجعل شمال سورية «منطقة كردية خالصة» وطرد تنظيم داعش الإرهابي إلى العراق، فما كان من الرئيس التركي إلا إلقاء «بالون اختبار» لجس نبض الإقليم والدول العظمى عبر إدخاله قوات تركية إلى العراق، عله يعيد طرح أو يجبر الجميع بقبول مشروعه «الموسع» هذه المرة ليس فقط بمنطقة «آمنة» شمال سورية بل توسيعها لتمتد من «الموصل إلى حلب».
وبهذا ترتكز أضلاع المثلث الأردوغاني بضربٍ -وإن اعتبرناه جنوناً- إلا أنه لا يخلو من دقة التوقيت بشكلٍ أو بآخر، ورغم حرصنا على ألا يخرج الأمر من إطار التحليل إلى التهويل بقدرة أردوغان على إشعال المنطقة وميلنا إلى عدم ترجيح سيناريو كهذا رغم ذهاب البعض إلى الاعتبار بأن طبول حرب عالمية جديدة تقرع، إلا أنه وفي حقيقة الأمر فلا معادلة صفرية في عالم السياسة وكل سيناريو لا تحسب إمكانية وقوعه بشكل دقيق بغض النظر عن نسبتها يضعنا في موضع المدافع، وهو ما يفسر بشكل أو بآخر قوة الرد الدبلوماسي الاقتصادي الروسي الحاد اللهجة وفتح موسكو الباب نحو إمكانية المزيد من التصعيد، وخاصةً إذا ما اعتبرنا أن واشنطن والكلام عن «ارتباك وزير خارجيتها جون كيري بين الثناء أو الاعتراض على مؤتمر الرياض»، إنما تظهر وكأنها ميالة لرفع «الجزرة» لأردوغان ودفعه نحو المزيد أو بأقل تقدير مباركتها الضمنية لأي تعقيد يضع الجميع -بعيداً عنها- في خانة الخاسر سواء للوقت أو للمصالح المباشرة. الأمر الذي دفع الرئيس بوتين لرفع عصاه الغليظة لقطع الطريق على شطحات أردوغان العثمانية، ليس خوفاً من قدرة أردوغان على تحقيق مخططه، بل لأن الرئيس الروسي يدرك تماماً أنه «كم من أحمق في عالم السياسة غير وجه العالم بضربٍ من الجنون».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن