من دفتر الوطن

جذوة فرح أم تحدٍ؟

| حسن م. يوسف

كثيرون ممن يطلقون الرصاص على السماء، يتصورون أن رصاصهم سوف يخترق الغلاف الجوي ولن يعود إلى الأرض، غير أن الرصاصة يجب أن تطلق بزاوية عامودية بسرعة أربعين ألف كيلو متر في الساعة كي تنفلت من الجاذبية الأرضية وتدور حول الأرض مثل الأقمار الاصطناعية من دون أن تسقط أبداً. لكن متوسط سرعة انطلاق الرصاصة من البندقية العادية لا يتجاوز الستة آلاف كلم في الساعة، ومعظم الرصاص لا يطلق بشكل عامودي تماماً مما يضاعف قدراته على إلحاق الأذى بالأشخاص والممتلكات عندما يعاود السقوط على الأرض.
لست أخفيكم أنني أمضيت الساعات الأخيرة من العام الماضي نائماً لأنه لم يكن عاماً يستحق الاحتفال برأسه، ولو كان الأمر بيدي لحذفته من ذاكرتي ومن ذاكرة كل من أحبهم، إلا أن إطلاق الرصاص أيقظني لحظة حلول رأس السنة! فالذين بددوا الوقت القديم راحوا يطلقون النار ابتهاجاً بحلول وقت جديد جاهز للتبديد!
سألت نفسي: هل هذا تعبير عن فرح؟ أحالني السؤال إلى وجهه المعاكس، هل إطلاق الرصاص في تشييع الشهداء تعبير عن حزن؟
لست أدري متى بدأت ثقافة التعبير عن المشاعر بإطلاق الرصاص في مجتمعاتنا، غير أني أميل للاعتقاد أن إطلاق الرصاص لا يعبر عن الحزن ولا عن الفرح بقدر ما يعبر عن رغبة مطلق الرصاص في إعلان تحديه وإثبات وجوده.
يخيل لي أن الأب الذي يطلق الرصاص ابتهاجاً بنجاح ابنه في الثانوية العامة يعبر بشكل غير مباشر عن عدم رضاه عن مستوى وحجم مشاركة الآخرين له بفرحة نجاح ابنه، ولهذا يريد أن يجبرهم على المشاركة وكذلك حال أهل العريس الذين يطلقون زمامير سياراتهم ورصاص بنادقهم ومسدساتهم لإرغام الناس على مشاركتهم سعادتهم!
المؤسف في الأمر هو أن إطلاق الرصاص في أثناء التشييع قد يتسبب بتشييع آخرين، كما أن إطلاق الرصاص في الأفراح قد يحولها الى أتراح. ولا شك أنكم قد سمعتم بمأساة تلك الأم ذات الأولاد التسعة، التي لم تكمل الخمسين من عمرها، والتي خرجت لشرفة بيتها كي تنثر الأرزّ على موكب عروسين كان ماراً أمام منزلها، فاخترقت رصاصة رأسها وأردتها قتيلة من فورها.
في كل الأحوال أحسب أن إطلاق النار على السماء جدير بالاستهجان، وهو يأخذ بعداً لا معقولاً في بعض الأحيان، كما حدث في قطاع غزة عندما قتل مواطن وأصيب ثلاثة آخرون عام 2012 جراء إطلاق النار بشكل عشوائي في الهواء ابتهاجا باتفاق وقف إطلاق النار!
لمناسبة رأس العام الذي استقبلته تحت اللحاف، أهدي جميع إخوتي السوريين نص «نشيد الفرح» الذي كتبه الشاعر الألماني فريدريش شيلر عام 1785، والذي ضمنه بتهوفن في الحركة الرابعة من سمفونيته التاسعة التي تعتبر أعظم قطعة موسيقية كتبت على الإطلاق:
«يا جذوة الفرح / أيها القبس الإلهي الجميل / يا بنت وادي الهناء / إنا لَنَرِد قُدسَكِ / نتلظى بنشوة حُمَيَّاك / يا بنت ماء السماء/ يا أيها الفرح ضُمَّ شمل النازحين/ ومن فرقتهم صروف الحدثان / فالناس جميعا إخوان/ تظللهم بجناحك أيها الفرح العُلْويُّ/ ليحتضن البشر بعضهم بعضاً / وهذه قبلة أرسلها للناس جميعاً».
كل عام وسورية بخير.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن