قضايا وآراء

سورية.. توطين الأزمة

| مازن بلال 

ضمن التفاصيل التي تتضح مع مسار الحدث السوري هناك سياق خاص للتفاصيل، فالتصريحات والتحالفات والتحركات الإقليمية تظهر بعيداً عن التوافقات ما بين موسكو وواشنطن، ولا يكفي البحث عن قرارات أممية لأن المسألة الأساسية هي في الفراغ الموجود بين الإرادة الدولية والواقع الجغرافي، وهذا الفراغ مملوء بـ«الإرهاب» الذي يدفع تفاصيل الأزمة السورية بعيداً عن أي تفاهمات، فتواجد داعش أو النصرة أو غيرهما من التشكيلات لا يعبر عن «إرهاب» بمعنى التهديد الإقليمي أو الدولي، بل يشكل ظاهرة سياسية فريدة تستقطب تأويلات وتفسيرات، وتنظم الواقع الجيوستراتيجي لدول المنطقة.
عمليا فإن مسار الأزمة السورية لا يبدو مرتبطا مع قدرة الإرادة الدولية على فرض حلول، بل مع «مرونة» ظاهرة الإرهاب التي فرضت مصطلحاتها حتى على النظام العالمي، فقد شكلت شبكة دولية رديفة أنتجت تحالفات مختلفة تتحرك بـ«عشوائية التشكيلات الإرهابية الموجودة نفسها، ولم يعد غريبا نتيجة هذا الواقع اتساع الهامش الإقليمي الذي تتحرك فيه دول المنطقة، وعدم القدرة على إيجاد تنسيق عميق بين القرارات الدولية والمواقف التي تبدو متناقضة كليا مع قرارات مجلس الأمن، فالأزمة السورية عملياً أمام ظاهرتين أساسيتين:
– الأولى: تغير اتجاهات الإستراتيجيات الدولية نحو الشرق الأوسط عموما، فبينما كانت الإدارات الأميركية على مدى عقدين تحاول إنتاج «شرق أوسط جديد» غرضه الأساسي تحجيم الدور الإيراني، فإن إدارة أوباما ذهبت للاعتراف بهذا الدور وترك مهمة الحد منه إلى الدول الإقليمية نفسها.
إن تبدل الاتجاهات الإستراتيجية يعقد مسار الحل السياسي في سورية؛ لأنه لا يربط الأزمة بضبط الأدوار الإقليمية بل على العكس يتيح التنافس للدخول في مسار خطر مع إمكانية حصول انهيارات دائمة حتى ضمن الدول التي كانت خارج دائرة الخطر، مثل تركيا على سبيل المثال، ولا تبدي واشنطن أهمية لعدم ظهور نظام شرق أوسطي جديد، لأن هذا الأمر يربك منطقة أوراسيا عموماً ويحد من الصعود الروسي والصيني.
– الثانية: التحول في مسألة الطاقة، فالأزمة السورية انطلقت في ظل صراع حاد على خطوط نقل الطاقة، ثم استمرت مع تغير النظر إلى مستقبل الوقود الأحفوري في العالم، وبالتأكيد فإن النفط والغاز سيبقيان لفترات طويلة يملكان أهمية إستراتيجية، ولكن في المقابل فإن الثقل الاقتصادي لهما أصبح يملك توجها آخر، فهناك تقلبات اقتصادية لن تطيح بأسواق نفط بل ستضعها على عتبة الانهيار.
إن مسألة الطاقة بالإساس ربما تؤدي إلى نماذج اقتصادية جديدة، وهو أمر يؤثر في الأزمة السورية بشكل خاص لسببين: الأول لأنه يؤدي إلى عودة مسارات اقتصادية قديمة وتجددها، مثل خطوط التجارة من «الشرق» (الصين) إلى الغرب (حوض المتوسط)، وبمعنى آخر فإن انسياب حركة التجارة يجدد الصراعات حول حركة الإنتاج والتجارة على طول «طريق الحرير» القديم.
والاحتمالات اليوم بالنسبة للأزمة السورية تتأرجح وفق العاملين السابقين، وتتداخل مع الصراعات الداخلية في الشرق الأوسط؛ ما يؤدي إلى محاولات «توطين الأزمة» للحد من إمكانية الصعود الدولي (الصيني بالدرجة الأولى)، أو الإقليمي أيضا، وجعل الحرب في سورية جغرافية لاستهلاك كل ممكنات المستقبل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن