ثقافة وفن

الحب أساس الحوار

| د. علي القيّم 

في البال فكرة.. ما زالت تلحّ عليّ منذ مدة، لماذا لا نتوجه بدعوة إلى عقد مؤتمر أو ملتقى فكري ثقافي، يجتمع فيه نخبة من كبار الشخصيات الثقافية والأدبية والفكرية، في الوطن العربي لمناقشة الواقع الثقافي العربي، في ضوء ما جرى ويجري من الأحداث وتطورات كبيرة على الساحتين العربية والدولية والظواهر والتحولات الكبرى التي نتجت عن «العولمة» و«صراع الحضارات» و«الحرب على الإرهاب» وأعتقد أننا لن نختلف إذا قلنا إن البعد الثقافي يقف بقوة، وراء كلٍ منها، فالعولمة، هي مفهوم ثقافي من الدرجة الأولى لأنها تعني سقوط الحواجز بين الأمم والدول، بحيث تمتزج الثقافات، وتتزاوج الحضارات لتصبح في مجملها تعبيراً مشتركاً عن وحدة العالم، المعاصر، وذوبان الهوية فيه.
أما «صراع الحضارات»، فهو تعبير مباشر عن المواجهة المحتملة بين الثقافات المختلفة في عالم اليوم، وقد قام «صموئيل هنتنغتون» صاحب هذه النظرية بجمع مجموعة من الأفكار التي استبدلت «الخطر الشيوعي» بخطر «الإسلام السياسي» والعداء للإسلام، الذي قاد إلى نظرية «الحرب على الإرهاب» وهي في المحصلة، مواجهات ثقافية، وجوهرها «خلاف ثقافي».
إذا تأملنا قليلاً، فسنكتشف أن معظم النزاعات الإقليمية والصراعات الدولية، التي حدثت في السنوات القليلة الماضية، تستند في مجملها إلى البعد الثقافي بالدرجة الأولى، ذلك أن الخلافات بين القوميات أحياناً والدول أحياناً أخرى، إنما تستند في الأغلب إلى نزاعات عرقية، ومذهبية وطائفية ودينية، وكانت الولايات المتحدة الأميركية، وبعض الدول الكبرى في أوروبا، تجيد تحريكها وتمويلها وإشعال النار فيها، وبكل أسف، كان العامل الثقافي، قبل غيره، يطفو على السطح في معظم الحالات.
إن الذين يعرّفون الحضارة بمفهومها الأدق، يقولون إنها «منظومة أخلاقية» ونسب متجانسة من المشاعر والعواطف، وهي نسق ثقافي متميز لذلك فإن العلاقة بين الحضارات، هي علاقة ثقافية بالدرجة الأولى، وأذكر كيف استطاعت الحضارة العربية السورية، اقتحام العواصم والمدن الأوروبية والأميركية واليابانية من خلال المعارض الأثرية التي أقامتها وزارة الثقافة في الأربعين سنة الماضية.
لقد أصبح الناس في كثير من دول العالم يدركون أن سورية هي بلد المليون سنة حضارة وبلد الفنون والحضارات والإنجازات الفكرية والتحولات الكبرى في تاريخ البشرية، وأن ثقافة سورية هي رسول حضاري، إنساني للعالم أجمع.
نظرتنا للثقافة، اختلفت كثيراً، في ظروف الأزمة التي يعيشها العرب، منذ سنوات عدة، ما يتطلب من المثقفين على اختلاف مشاربهم وأفكارهم، مراجعة الكثير من مواقفهم وآرائهم ومفاهيمهم.. لقد تعارضت المواقف والمصالح والأهداف والغايات.. لقد تمزق المثقف بين اتجاهات عدّة، نذكر منها، دور المثقف في مجتمعه، وعلاقته بالسلطة، والعوامل الاقتصادية والاجتماعية، وتاريخ الكيانات التي نريد للثقافة أن تلعب دور الوسيط، والممهد لإقامة علاقات سليمة معها، أساسها الحوار وليس الصدام.. والابتعاد عن تلك العادة السيئة ألا وهي حل المشاكل بالكلام، والتحدث عن أمور هي خيال محض، وكأنها تدخل في زمرة الممكن.. ما حدث ويحدث يدعونا جميعاً إلى الاستنهاض والقيام بالفعل المحرك لكل أجزاء الجسم الاجتماعي.. يدعونا إلى الاعتراف بالاختلاف، وبإمكانية الحوار مع المختلفين، وتحقيق التواصل، وأعتقد لو أننا أحسنا عقد هذا المؤتمر أو الملتقى الفكري والثقافي… يمكننا تحقيق كل ما عجزت عنه آليات المؤتمرات السابقة.
سقراط كان أول من استخدم الحوار، كأداة للوصول إلى الحقيقة، وقد جعله بحثاً مشتركاً بينه وبين محاوريه، بمعنى أنه لم يكن يلعب دور الأستاذ صاحب السلطة المرجعية، بل دور الذي يجيد طرح الأسئلة، المعين على توليد الحقائق، من هؤلاء المتحاورين، ومعنى هذا أن الحوار عند سقراط، كان آلية لتحقيق الطرح الجذري، وإعادة النظر، ونقد المألوف المستقر من المفاهيم، كخطوة لإعادة بنائها، وعلى الرغم من أن سقراط كثيراً ما كان يلجأ إلى التهكم، إلا أن العلاقة الأساسية التي كانت تربط بينه، وبين محاوريه في الحوار، هي علاقة الحب، فالحب هو الوسيط الجدلي الوحيد بين الأطراف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن