ثقافة وفن

الجيل الرابع من الحروب

| د. علي القيّم

في كل صباح من صباحات «الربيع العربي» المريرة، تضاف إلى مصطلحاتنا مصطلحات جديدة، ونكتشف معايير جديدة فيها العجب العجاب، في وسائل الإعلام السياسية، فقد أصبحنا في زمن العبث مع الحقائق، وغض الطرف عن القاتل، ومشرّع القتل والذبح والتدمير.. لقد أصبحت آلة الموت «جهادية» تكفيرية إرهابية، العالم يتوقعها «من حيث يدري ولا يدري»… «دول التحالف» التي قامت بتوليد حركات الإرهاب، وحرضت «شياطين الجهاد» ها هي تحصد ثمرات زرعها، وتقطف ثمار شرّ ما جنت يداها.
منذ تسعينيات القرن الماضي تسعى قوى الشر الأميركي والصهيوني، بشتى الوسائل، إلى نشر تخرصات مضللة تحت مظلات دينية وشعارات إسلامية، تثير موضوع «الخطر الإسلامي» القادم من الشرق، كعدو جديد للغرب، ولم تكن مصادفة سياسية، أن يتزامن تصنيف العرب والمسلمين في العالم كله، وليس بالغرب وحده، بالإرهابيين.. لقد راهنوا على استخدام أطراف ضد أطراف أخرى، وأرادوا تفتيت وحدة الشعب والوطن والأرض، وأصبحت أكثر دول الوطن العربي المهمة مهددة بمشروعين يخدمان بعضهما بعضاً: مشروع التدويل الأجنبي لأزمات عربية داخلية، ثم مشروع التقسيم لأوطان وشعوب المنطقة، وما قامت وتقوم به «المجموعات الجهادية» تسهم بصورة لا حدود لها بتحقيق المشروعين معاً، في ظل غياب الوعي العربي، وتراجع المشاريع العربية التوحيدية، والأنظمة العربية الرجعية، بكل أسف، كانت مساهماتها كبيرة جداً، في تحقيق ما حصل ويمكن أن يحصل لتحقيق «الخلافة الجديدة».
• بكل أسف- لقد استخدمت أفكار «الإرهاب» و«الفوضى الخلاقة» و«الربيع العربي» في السنوات الخمس الماضية (وما زالت تستخدم) لتبرير أو تفسير كل ما يراد القيام به من أعمال القتل والتخريب والتدمير، في حين أن الدوافع الحقيقية، تكمن في إعادة ترتيب بلداننا العربية، لتحقيق مصالح وغايات وأهداف مغرضة بعيدة كل البعد عن خدمة الأوطان وروح الدين الإسلامي الحنيف.
ما حدث من ويلات وأزمات وجرائم في السنوات الخمس الماضية، لم يعد تسمح بأي شكل من الأشكال، بترف الخلافات، على جداول الاجتماعات والمؤتمرات والمنتديات.. ففي وسط الدمار الشامل الذي طال مقومات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية… وفي خضم قوافل الموت والهجرة والنزوح… وفي ظل الجرح النازف.
يجب البحث بقوة وبسرعة عن مخرج، ولو كان من عنق زجاجة.. يجب أن نعيد قراءة التاريخ وفق ما حدث ويحدث، ووفق معطيات أفرزتها الأحداث وكشفت عنها النتائج المريرة، التي لا يمكن لأي شعب آخر في العالم أن يتحمل تبعاتها الظالمة القاسية.
لقد وضعت مخططات كثيرة، لما حدث، أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها «سوداوية» و«كارثية» الهدف منها الاستئصال العربي وحرب الجميع على الجميع، والتجييش الدموي «الطائفي والمذهبي» وظواهر التفكك وآلياته المدمّرة للأوطان، وتجويف المجتمعات من الداخل، ومنع الإصلاح، وتفشي العنف الديني في بيئات مقهورة، ما جعل العلماء والباحثين يرددون مقولات وآراء في غاية الخطورة: «إن الشرق الأوسط الحالي انتهى إلى غير رجعة، والنزاعات في الشرق الأوسط هي الأكبر منذ «الحروب الصليبية» ويطلقون على ما يحدث اسم «الحروب الجديدة» لتمييزها عن الحروب التقليدية القائمة بين الجيوش النظامية التي تخوضها دولتان أو أكثر، والتي غالباً ما ارتبطت بفكرة بناء الدولة والمحافظة عليها والدفاع عنها… على حين لا تؤدي «الحروب الجديدة» إلا إلى هدم الدولة ونشر الفوضى والتطرف والخراب.
لقد أطلق المحللون الاستراتيجيون مصطلح «الجيل الرابع من الحروب» لوصف «الحروب الجديدة» التي تؤدي إلى دخول الدولة صاحبة السيادة المستقلة، في اقتتال مع عناصر ومجموعات إرهابية ترتكز على وسائل وأفكار وطرق قديمة بدائية، تهدف إلى نشر الفوضى والخراب وتبقي على الصراع المسلح والنزاعات الطائفية والمذهبية والعشائرية، وتدّمر الاقتصاد والبنى التحتية، وتنشر الأفكار الهدامة، وتسيء إلى القيم والأخلاق والسمات الإنسانية النبيلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن