قضايا وآراء

هل التعطيل خيار واقعي..؟

| الوطن

تختبئ وراء البداية المتواضعة لمحادثات جنيف، دولتان تريدان تعطيل مسار الحلول في المنطقة لأنه لا يناسبهما.
لقد ساد تفاؤل حيال إمكانية حل الأزمة السورية بعد الإجماع النادر، الذي تحقق في فيينا ونيويورك والذي كان حصيلته القرار (2254). هذا الإجماع ما كان ليتحقق لولا أجواء التقارب الأميركي الروسي المستجد، وانتهاء أزمة الملف النووي الإيراني. إلا أن هذين التطورين قرعا الأجراس الحمراء في الرياض وأنقرة.
لقد انخرطت هاتان العاصمتان في عملية فيينا لأنهما ظنتا أنها قد تحقق لهما إنجازاً دبلوماسياً، يعينهما على التكيف مع التحولات الإقليمية الكبيرة التي تشهدها سورية والمنطقة. أرادت السعودية من عملية فيينا أن تؤدي إلى نهاية العلاقة الجيدة بين دمشق وطهران، في حين عولت تركيا عليها علها تقود إلى نهاية العملية الروسية الجوية. وفي التحليل النهائي جرت واشنطن كلاً من السعودية وتركيا إلى فيينا وضغطت عليهما للقبول بما جاء في البيانين اللذين يحملان اسم العاصمة النمساوية.
ولتحقق السعودية وتركيا غاياتهما، ربطتا أقسام من المعارضة السياسية، بالمجموعات المسلحة التي توفر لهما عناصر القوة من خلال الحبلين السريين التركي والأردني. هذا الربط تحقق من خلال مؤتمر الرياض وهيئته العليا للمفاوضات.
ولما ظهر للعاصمتين أن خططهما فشلت في حرف مسار عملية فيينا عن غايته الأولى «محاربة الإرهاب» وتسوية الأزمة عبر مسار طويل نسبياً، عادتا إلى سيرتهما الأولى في تعطيل الحل. الرغبة في التعطيل تنبع من الرهان السعودي التركي المزدوج على انتخاب رئيس أميركي جديد بعد نحو عام، يكون أكثر قرباً من مواقفهما حيال المنطقة، وربما تزخيم دعمهما للمجموعات المسلحة لمواجهة إندفاعة الجيش وحلفائه.
حقيقة الرهان السعودي التركي هو في تحويل الموقف الأميركي حيال سورية بعد نحو عام من الآن، لكن الجانبين يفشلان في فهم أن رهانهما فاشل منذ الآن. فروسيا «سايرت» الموقف السعودي في اليمن، وإذا ما قررت السعودية الانحياز إلى تركيا ومواجهة روسيا في سورية، فإن موسكو سترد بـ«تعديل» موقفها هناك. أما استقرار تركيا الداخلي فمرتبط بمعادلات معقدة جداً وحساسة ممتدة بين جبل قنديل وموسكو وطهران ودمشق وأربيل وأخيراً القامشلي.
ولتحقيق تعاون فعال بين المسلحين داخل سورية، سيكون على تركيا والسعودية ضبط التنافس المشتعل والدائم بين مجموعاتهم. هذا التنافس يجعل أولئك المسلحين من غير الجهاديين، يميلون إلى التصالح مع الحكومة من أجل مواجهة المتطرفين. ومنذ الآن تهدد الخلافات بين النصرة والأحرار بحل «جيش الفتح»، في حين استطاع الجيش تشديد قضبة الحصار على الغوطة الشرقية وفصل داريا عن المعضمية وتحسين مواقعه بشكل كبير في درعا.
وعلى أي حال لن يكون سهلاً على السعودية وتركيا، إيصال السلاح إلى الداخل السوري؛ فالجهود الدولية التي تتصدرها موسكو لإغلاق الحدود السورية مع دول الجوار أمام حركة السلاح والمسلحين خطت خطوات واسعة. في هذا السياق يبدو لافتاً «تفلت» الأردن من القيد السعودي الثقيل، واقترابها الحذر جداً من موقف دمشق وموسكو من الأزمة، وإلا ما معنى التزامن بين زيارتي وزير الدفاع فهد جاسم الفريج ورئيس الأركان الأردني مشعل الزين إلى موسكو ولقائهما كلاً على حدة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو.
في النهاية ومع تطور العملية الحربية في سورية، فإن وقائع جديدة تفرض على الأرض سيكون من الصعب على أي إدارة أميركية تجاوزها. بعد كل هذا ما معنى التعطيل خصوصاً إذا كانت أدواته سورية؟!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن