قضايا وآراء

واشنطن وحرب السنوات الطويلة في المنطقة

| تحسين الحلبي 

هناك سؤال توفر الإجابة عنه الكشف عن الجهات أو الجهة المتنفذة التي توجه عمليات منظمات (القاعدة) و(داعش) ومن يبايعهما وهو: من الذي يوجه قيادات هذه المنظمات للانتقال من سورية والعراق إلى لبنان وإلى ليبيا وإلى تعزيز وجودهم في اليمن وإلى سيناء وبقية مصر والجزائر وتونس وما الأهداف من هذه الإستراتيجية؟ فالملاحظ أن داعش جرى نقل عملياتها عن طريق مبايعة مجموعات مسلحة لها ولأميرها في السنتين الماضيتين بعد الإعلان عنها (الدولة الإسلامية في الشام والعراق)، فوجود منظمة القاعدة التي شكلت الهيكل الأساسي لمعظم المجموعات الإرهابية التكفيرية لفترة تزيد على عشرين سنة بعد تسخير مجموعاتها الأساسية ضد الاتحاد السوفييتي منذ 24/12/1979 وحتى 1989 يفرض سؤالاً هو: لماذا لم تقم واشنطن بإنهاء وجود كل هذه المجموعات في التسعينيات؟ يرى المحللون السياسيون في الولايات المتحدة وأوروبا أن واشنطن حققت أهدافها في أفغانستان وانهار الاتحاد السوفييتي لكنها لم تتمكن من استعادة سيطرتها على الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي وظفت لها حرباً على يد صدام توقف القتال فيها من دون هزيمة إيران عام 1988 ولهذا السبب الرئيس وجدت واشنطن أنها يمكن أن تسخر مجموعات القاعدة في حرب طائفية مذهبية على إيران وظهرت هذه السياسة بشكلها الواضح بعد احتلال العراق عام 2003 وأعلنت قيادات القاعدة من بن لادن إلى الزرقاوي من العراق أنها تشن حرباً على (الشيعة والنصارى واليهود) في حين أنها لم تشن معظم عمليات هذه الحرب داخل العراق وخارجه إلا على الشيعة في السنوات الأولى ثم تولت داعش الاستمرار بهذه الحرب على المسيحيين العراقيين والسوريين والمصريين في السنوات الثلاث الماضية.
ويضيف ستيفان شوبانيك في موقع مجلة غلوبال ريزرش في آب 2015 أن واشنطن رأت في القاعدة وداعش قوة احتياطية مسلحة ومباشرة يمكن نقل عملياتها إلى أي مكان بشكل يوفر انتقالها من دولة لأخرى مصالح كثيرة للسياسة الأميركية.
وكان اليمن منذ عام 2002 خير مثال واضح على هذه الإستراتيجية الأميركية فقد بقيت مجموعات القاعدة في اليمن وبدأت تتوسع سيطرتها رغم أن الطائرات الأميركية بلا طيار شنت عليها أكثر من 130 طلعة جوية خلال سنوات قليلة وبالتنسيق مع السلطات اليمنية وها هي القاعدة الآن بعد الحرب السعودية على اليمن تسيطر على مدينة المكلا جنوب اليمن وعلى ميناء المدينة بعد أن بدأت مجموعاتها تظهر في بعض مناطق عدن أيضاً.. ولا شك أن هذه الحرب السعودية لدعم سلطة (عبد ربه منصور) قد جعلت المجموعات التي تدعمها السعودية تجد في الحرب التي تشنها مجموعات القاعدة منذ عام 2002 داخل اليمن مصلحة لها ما دامت مجموعات القاعدة وداعش تقاتل مجموعات أنصار الله اليمنية المناهضة للسياسة الأميركية والسعودية مثلما تقاتل القاعدة وداعش ضد قوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح.. فالولايات المتحدة والسعودية لم يستهدفا منذ بداية الحرب السعودية على اليمن قواعد مجموعات القاعدة وداعش بل حرصا على زيادة قدرتها لكي تقاتل أنصار الله وقوات صالح وهذا ما جعل المكلا وميناءها وبعض مناطق أخرى تصبح تحت سيطرة القاعدة التي لا تجد مصلحة لها بمهاجمة قوات عبد ربه منصور أو قوات السعودية.
وهذه السياسة الأميركية اتبعتها واشنطن في سورية حيث اتفقت مع مجموعات المعارضة المسلحة على عدم توجيه قتالها ضد مجموعات إسلامية متشددة مثل داعش والقاعدة وجبهة النصرة وجيش الإسلام ما دامت هذه المنظمات تقاتل الجيش السوري ضمن شعار حرب طائفية مذهبية على غرار حرب القاعدة وداعش في العراق وفي اليمن.
ويستنتج المراقبون أن وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إي) هي التي تتولى مهمة توجيه رجالها داخل هذه المجموعات المحلية أو الموجودة في سورية والعراق بالانتقال في عملياتها باسم هاتين المنظمتين ومن يتبع لهما إلى ليبيا وسيناء وبقية المناطق العربية.. بل إن واشنطن دفعت أحد قادة المجموعات العاملة في باكستان إلى الإعلان عن مبايعة مجموعاته (لداعش) ولا أحد يستبعد أن تظهر علناً مجموعات داعش محلية في أكثر من دولة عربية وغير عربية ما دام هذا التوسع يخدم مصالح الإسترايتجية الأميركية في معظم دول النفط العربية والإسلامية من ليبيا إلى نيجيريا.
ولذلك يعتقد المراقبون أن حرب السعودية على اليمن ستحمل أضراراً غير مسبوقة على السعودية بسبب ما تخبئه الإستراتيجية الأميركية داخل القاعدة وداعش.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن