قضايا وآراء

التطورات الإقليمية الأخيرة والدور الصيني والروسي في دعم سورية وإيران وحلفائهما

تحسين الحلبي: 

 

يبدو من الخطأ الفادح الاعتقاد بأن المجابهة التي تخوضها سورية قيادة وجيشاً وشعباً لضرب الإرهابيين في كل أنحاء البلاد يمكن عزلها عن الحرب الشاملة التي تخوضها كل الدول التي يستهدفها الإرهاب في المنطقة، كما لا يمكن النظر إلى هذه المجابهة بشكل منفصل عما ستفرزه من تحالفات وتحولات ستحمل معها زيادة في حشد القوى التي تتصدى للإرهابيين وحلفائهم. ولهذا السبب بالذات يصبح من المستحيل أن يتمكن الإرهابيون من تحقيق أهدافهم لضرب شعوب المنطقة وخصوصا بعد رؤية الجميع لطبيعة النظام الظلامي الوحشي الذي فرضوه في المناطق التي سيطروا عليها. وفي ظل هذه التطورات واتساع ساحة الحرب على الإرهاب وتزايد الدول المنخرطة والمندسة والمتحالفة سراً أو علناً مع الإرهاب يزداد الاعتقاد في روسيا والصين بأن واشنطن قد تنتقل من موقع التحكم المباشر بتسخير حلفائها في سير وتطورات هذه الحرب إلى موقع المشاركة بقواتها البرية والبحرية في مسرح عمليات يشبه الحرب الشاملة العالمية.
فالمشهد العام الدولي يدل على أن واشنطن بدأت تتحرك عسكرياً وسياسياً في جميع القارات لتعزيز وبناء تحالفات تستهدف المصالح الإستراتيجية الصينية والروسية بسبب وقوف هاتين الدولتين الكبريين مع الدول التي تتصدى للإرهاب الذي توسع منذ أربع سنوات في إفريقيا وآسيا وأوروبا بطريقة خدمت المصالح الأميركية الإستراتيجية في القارات الثلاث. فالأزمة الأوكرانية الروسية وتفاعلاتها التي تولدها واشنطن تهدف إلى تطويق روسيا بجدول عمل حربي في أوروبا، كما أن الجولة الأخيرة لوزير الخارجية الأميركية في بعض الدول المحيطة في بحر الصين يراد لها بشكل علني محاصرة المصالح الصينية وتوليد نزاعات إقليمية حربية بين الفيليبين واليابان وفيتنام وكوريا الجنوبية من جهة والصين وحلفائها من الجهة الأخرى على خلفية التنازع على جزر ونفط وغاز في بحر الصين.
أما في الشرق الأوسط فمن الواضح أن منطقته أصبحت الموقع الذي انطلقت منه واشنطن منذ أربع سنوات من أجل تحقيق أهم أهدافها وهو منع دول المنطقة عن صد الهيمنة الأميركية ومنع الصين وروسيا من تحقيق قدرات اقتصادية وعسكرية تحد من هذه الهيمنة في العالم بعد أن ازدادت هذه الهيمنة في أعقاب انهيار كتلة الدول السوفييتية وسعي واشنطن إلى فرض نظام عالمي أميركي. ولذلك يعترف المحللون في وزارة الدفاع الأميركية أن هذه المرحلة الممتدة منذ عام 2001 (غزو أفغانستان- واحتلال العراق- وتوليد الإرهاب الإسلامي المتطرف بعد استغلاله وتوسيع رقعته بعد عام 2011) حتى هذه اللحظة لن تقبل واشنطن بتحويلها إلى حرب باردة أخرى من نوع جديد بين كتلة الصين روسيا، وكتلة أميركا بل ستعمل على تحويلها إلى ترسيخ القوة الأميركية كقطب عالمي أوحد للمحافظة على ما حققته واشنطن من تزايد في المصالح الإستراتيجية في أكثر من قارة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
ولا شك أن هذا التصور الأميركي للصراع العالمي سيفرز بالضرورة استعدادات مجابهة متعددة الأشكال والأهداف بين الكتلة الأميركية ونظيرتها الكتلة الصينية الروسية، وقد ظهرت بداية هذه التحديات بين الكتلتين في المناورات البحرية العسكرية الصينية الروسية المشتركة التي دامت عشرة أيام انتهت قبل أيام وجرت لأول مرة في مياه البحر الأبيض المتوسط التي تحيط بالقارات الثلاث أوروبا وإفريقيا وآسيا. ويستنتج المحللون في روسيا والصين أن سياسة الهيمنة الأميركية ستصطدم في منطقة الشرق الأوسط بالذات بقدرة عسكرية إقليمية تمثلها سورية وإيران وقوات المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله كقاعدة أساسية تدعمها في آسيا وحوض المتوسط روسيا والصين. ويرى مركز الأبحاث الإسرائيلي للأمن القومي أن إسرائيل نفسها تتابع هذه التحديات العالمية بين كتلة الصين وروسيا من جهة والكتلة الأميركية من الجهة الأخرى باهتمام وقلق وخصوصاً إذا انتقل العراق إلى التحالف مع سورية وإيران بسبب حاجته إليهما في الحرب المشتركة على داعش وبقية المجموعات الإرهابية.
ويرى المركز الإسرائيلي أن اشتعال المنطقة كلها من خلال احتمال وقوع حرب عالمية ثالثة لن يكون في مقدور أحد من القوى الكبرى حسم نتائجه الحاسمة، لكن المركز يستنتج أن روسيا والصين لن يسلما مطلقاً بخسارة القيمة الإستراتيجية للمنطقة وخصوصاً سورية وامتدادها على ساحل المتوسط وإيران وموقعها في الخليج وحدود بعض دول آسيا الوسطى المتاخمة لروسيا. لذلك ربما تقود هذه المعطيات إلى الاعتقاد بأن الوضع العالمي ستتجه تطوراته الإقليمية والدولية نحو مرحلة انتقالية بين الحرب الباردة ذات النوع الجديد وتزايد مؤشرات خطر حرب عالمية ثالثة لم تكتمل فصولها الأميركية بعد بسبب السياسة الأوروبية التي تتبناها بعض دول أوروبا للحد من السير في هذا الاتجاه الأميركي وبسبب السياسة الحكيمة التي تتبناها كتلة الصين وروسيا على المسرح الدولي من دون التخلي عن حلفائهما.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن