من دفتر الوطن

دول المال ودول الأفكار!!

عبد الفتاح العوض

 

في الخمسينيات فترة استقلال الدول العربية تسيّد العربَ في ذلك الوقت دولٌ لها قيمة فكرية، وفي تلك المرحلة كانت دول المال في مرحلة «التابع»، ولم يكن لديها اسم آخر غير دول «الرجعية» العربية.
الفوارق في تلك المرحلة تمثلت في أن «دول الأفكار» حملت مشروعاً قام على دعامتين.. الأولى فكرة القومية العربية، والثانية تحرير فلسطين.
ولا أحد يستطيع أن يقول إن دول الأفكار على مدى أكثر من نصف قرن استطاعت أن تحقق شيئاً يذكر سواء في مفهوم القومية العربية، وبالتأكيد لم يحصل شيء في قضية فلسطين.
بالمقابل.. دول المال خلع عنها المال ثوب الرجعية العربية لكنها لم تتحول أبداً إلى بلدان لديها مشروعها الخاص.
وببساطة استطاعت أن تجد قدرة على التخلص من التبعية لدول الأفكار لتصبح تابعة لدول المصالح العالمية.
في تاريخ علاقة دول الأفكار بدول المال الكثير من التشابك.. ففي الوقت الذي نظر فيه مواطنو دول الأفكار لدول المال على أنها مصدر رزق، وفي الوقت الذي عرفت فيه دول المال مواطني دول الأفكار على أنهم «المعلمون» والمفكرون، والكتاب والصحفيون وأيضاً العمال والبناة كانت نظرة مواطني دول الأفكار لمواطني دول المال على أنهم خزائن مال متحركة!!
أيضاً.. العلاقة التصادمية بين دول الأفكار ودول المال كانت بين دول «تقدمية» ودول «رجعية» وفي هذا كثير من سهولة التوصيف إذ إن العلاقة التصادمية كانت في اختلاف المرجعيات.. فهذه دول ذهبت باتجاه الشرق، وأخرى اتجهت نحو الغرب.
الآن لم يعد في الإمكان التحدث عن تقدمية ورجعية.. وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي «حصلنا» كعرب على ذرائع أخرى «للتصادم» والآن وعلى مدى عقود قادمة فإن الخلاف الرائج سيكون خلافاً طائفياً!!
لا أحد يستطيع أن يتجاوز الإصرار على رسم الخلافات العميقة تحت عناوين طائفية. والآن ثمة محاولة حقيقية ويتبدى أنها تحصل على كثير من النجاح بقدرة المال على التأثير في مصائر دول الأفكار. حتى إن كثيراً من الدول العربية يرقص على نار مشتعلة بأوراق النقد العربي!!
ما كان يمثل شبه اتفاق عليه هو العداء لإسرائيل أصبح على مرّ السنوات محل نقاش وشك…. تحولت إسرائيل من عدو على الأقل في العلن إلى صديق في السر ثم ليس عدواً في العلن ثم في مرحلة قادمة وقريبة تسير لتصبح صديقة لدول المال وأتباع المال… كانت الصداقة بالوكالة… من خلال صداقة أميركا، الآن الصداقة بالأصالة وتغير العدو ليصبح إيران والخلاف في شكله ولغته طائفي لكنه في حقيقته خلاف سياسي على المواقف والأدوار.
وقائمة الخلافات بين دول المال والأفكار زادت أفقياً وامتدت شاقولياً وزادت بشكل سرطاني.
إن ما يجري الآن من تفاصيل كثيرة ليس إلا مقدمة لمرحلة جديدة يحددها كما دوماً «المنتصر».. وأعتقد أن للحضارات كلمتها القاطعة في مفاصل التاريخ.

أقوال:
قال لقمان الحكيم لابنه: يا بني لا تصدق من قال: إن الشر بالشر يطفأ، فإن كان صادقا فليوقد نارين وينظر هل تطفئ إحداهما الأخرى؟، إنما يطفئ الخير الشر كما يطفئ الماء النار.
قال الإمام علي- رضي اللـه عنه-: يا بن آدم لا تحمل هم يومك الذي لم يأت على يومك الذي أنت فيه، فإن يك من أجلك يأت فيه رزقك، واعلم أنك لا تكسب من المال شيئاً فوق قوتك إلا كنت فيه خازنا لغيرك.
قال ابن المعتز: مات خزنة الأموال وهم أحياء، وعاش خزان العلم وهم أموات.
قال رجل: كنت أمشى مع سفيان بن عيينة إذ أتاه سائل ولم يكن معه ما يعطيه فقال: أي مصيبة أعظم من أن يؤمل فيك رجل خيراً فلا يصيبه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن