ثقافة وفن

علاج المسألة الثقافيّة في سورية يحتاج إلى قرارٍ سياسي … فايز قزق لـ«الوطن»: عقليّة وزارة الثقافة القروسطيّة تعمل على تآكل ثقافة

| عامر فؤاد عامر – تصوير: طارق السعدوني

يمتلك حضوراً مختلفاً ويبقى لشخصيّة المدرب والمدرس صورتها الأوضح في أذهاننا لكنه البارع على خشبة المسرح والمبدع في صورة السينما والناجح في الدراما التلفزيونيّة، له تجارب متنوعة أغناها السفر وطلب العلم والسعي للثقافة دائماً، الفنان «فايز قزق» في حواره لـ«الوطن» يسلط الضوء على المزيد من النقاط الحساسة التي تلامس همّنا اليومي الموصول بمشاكل وهفوات الماضي، وكان هذا محورنا الأساسي معه إضافة لنقاط مهمّة أيضاً.

تجربة التدريس وتخريج أكثر من 11 دفعة هي مسؤوليّة كبيرة، حدّثنا عن حصيلتك فيها؟ وكيف تتواصل مع جيل جديد مختلف عن مواصفات الذي قبله؟
التدريب هو حالة تراكميّة بدأته كمعيد في العام 1981 وبتّ أستاذاً محترفاً في العام 1988 في المعهد العالي للفنون المسرحيّة في دمشق، وبعد التخصص في الخارج عدت للبلد وما زلت على مهنة التدريس في هذا المعهد، وكذلك في المعهد العالي للفنون المسرحيّة في الكويت، وهي تجربة شائقة، تجاوز عمرها 30 عاماً، وخاصّة على صعيد التعامل مع الجيل الجديد دوماً، فكان بإمكاني مواكبة بعض المتغيرات على مستوى التفكير فيما يتعلق بآمالهم وتطلعاتهم، وكنت دائماً مع هؤلاء الشباب، وقريباً جداً من حياتهم، بكلّ ما لديهم من مشاكل وهموم وآمال، وفي النهاية أنا أتعامل مع مادّة خام من المشاعر والأحاسيس يجب أن أنبشها من هذا الإنسان، لرؤية مدى جديّتها ومدى حقيقتها، ومدى المقدرة على عكس هموم تمثّل أكبر عدد ممكن من الناس، كان عليّ أن أكتشف كلّ تنوّع في أساليب التدريب منذ عام 1988 وتحقيق فكرة أن أكون عدداً من المتدربين في شخص واحد، فكان هناك بحث لأكثر من أسلوب بهدف تكوين شخصيّة المتدرب والعلاقة مع نفسه ومع الآخرين، ولرفع مستوى الكلمة التي يقولها، بالنسبة لي كان كلّ فرد عالماً يجب الدخول إليه، والتجوّل في مجاهله، وكلمة التمثيل تعني أن يمثّل شخصاً ما، على عكس المشهور، الذي يبتعد عن البشر متوحداً مع ذاته، كلّ هذه الأفكار تطلّبت مني جهداً مضاعفاً أقدّمه، وكان هناك جولات اطلاعيّة في دول كألمانيا وفرنسا ومسارح كثيرة في العالم كمسرح الكابوكي والنو، والكيفيّة التي يتمّ التدريب فيها، وقضيت في الكويت 5 – 6 سنوات، كان هناك طلبة من إيران، ومن مصر، ومن الخليج، كلّ ذلك كوّن كنزاً ثميناً مكنني من تشكيل فرقة مسرحيّة، ومحاولة إعادة اللحمة بين المعهدين في سورية والكويت، وقد زرت المعهد هنا مع طلابي من هناك، ولكن مثل هذه الخطوات تحتاج إلى متابعة واستمراريّة فوزارة الثقافة في سورية، والمجلس الوطني للثقافة في الكويت كلاهما صنوٌ واحد لا علاقة لهما إلا بالبريستيج الفارغ، واليوم مؤسساتنا الثقافيّة نائمة وقد تحولت إلى أماكن مهجورة معززة بروائح كثيرة.
ما الحلول التي يمكن من خلالها تنشيط الحالة الثقافيّة لدينا؟
إعادة مأسسة هذه الأماكن تحتاج لتأهيل كبير، فقد يتحدث إنسان يدير مركزاً ثقافيّاً ما بأن لديه أنشطة وفاعليات، ولكن هذا لا يمثّل إلا ارتعاشاتٍ غير فاعلة، فنحن بحاجة إلى متخصصين يعملون في هذه المؤسسات وأقصد بالمتخصص ما له علاقة في علوم النفس والاجتماع والاقتصاد، والأمور التي تتطور حول العالم كالمدارس، والمناهج، والجامعات، وما يجري عليها من تغيرات، وأساليب التدريس والتثقيف التحفيزي، وتعريف الإنسان أن التثقيف الذاتي هي مسألة شخصيّة وليست مسؤوليّة الدولة فقط، وبأنّها مسألة ليست متعلقة بشهادة جامعيّة يحصل عليها وكفى، فعلى البيت السوري أن يستعيد مكتبته، وأن تتجدد في موجوداتها، وأن تتنوّع في مصادر طباعتها، وعلومها، وآدابها، ومن يقل إنّه لدينا وسائل التواصل والإنترنت فسأقول له: للأميركيين أيضاً هذه الإنترنت وللروس ولليونانيين وغيرهم، ولكن في بيوت هؤلاء يُطبع الكتاب بكثافة ونلاحظ هذا بكثافة في بريطانيا، وألمانيا، والسويد، وكذلك في جنوب إفريقيا، وفي إسبانيا، والتيبت، وهناك مقالات تروّج مفهوم فائدة الكتاب، وتسعى لابتعاد الإنسان بأصابعه عن التقنيّات التي حوّلته إلى نقّار بدلاً من كاتب أو قارئ، فاللسان تعفّن في تجويفه لدينا وأصابه التكلّس لعدم استخدامه. وصُمّت الآذان ولم تعد تميّز بين ترتيل القرآن الطبيعي من القراءة الإلكترونيّة، وأصبح الأزيز حالة مألوفة، والفوضى السمعيّة والبصريّة أصبحت حالة مألوفة لدى الجيل الجديد، الذي لا يعي ما يجري، فغادر صوب كلّ حدبٍ وصوب، والسبب هو ترهّل المؤسسات الثقافيّة لدينا، ليأتي الآخر وينتهز الفرصة، ويشتق قسماً من الناس، ويسرق الباقي إلى بلاده، ويستغل ما هو جيد منهم، وينتقي المتعلّم منهم، ويترك الباقي كالمرتجعات، وهذه هي همجيّة الغرب، الذي يقوم اليوم بعملية «قطاف الكرز» أو ما يتداولونه في مصطلح «CHERY BEKING» فيختارون الأفضل من بيننا ، تاركين مجتمعاتنا لأعداد متزايدة من الأميين والأميّات والجهلة، ونحن لا نعي كيف نردّ! وكيف نداوي! وكيف نؤاخي اللسان مع اللسان! وهذا لا يمكن إلا عبر استعادة البناء للمؤسسة الثقافيّة وإعادة البناء من نقطة الصفر.
ماذا عن مناهج المعهد العالي للفنون المسرحيّة؟
منذ عام 1977 وبداية المعهد العالي للفنون المسرحيّة وحتى هذه اللحظة؛ لا توجد مبادرة لإعادة دراسة المناهج! وإذا ما قُدّمت دراسة تهمل من وزارة الثقافة، وهذا مقصود، فهناك من يقف متربّصاً تجاه الفكرة الجديدة لقتلها، وهناك من جُنّد في وزارة الثقافة لقتل كلّ جديد، إمّا بصورة واضحة وصريحة أو بصورة غير واعيّة، جرت معي حادثة بسيطة عندما كنت أخرّج دفعة 2011 في مسرح القباني، فقد حاولت إصلاح لون عمود يقع على مرمى المشاهد…وقامت القيامة حينها ومازال اللون على حاله إلى اليوم، وهو لون أشبه بألوان أماكن السهر الرخيصة تصوّر!
لماذا تركت مسؤوليّة إدارة مديريّة المسارح والموسيقا؟
ببساطة لأنّني لا أستطيع التوقيع على أوراق بصورة عشوائيّة، ولأنّني قدّمت أكثر من حلّ لنرتقي في مستوى العمل والأداء ولم ألق إلا الردّ السلبي، حلول كانت لإعادة ماسسة المسرح على نطاق القطر كإنشاء مسرح الطفل، والمرأة، والجامعي، والمحافظات، وغيرها، لكن الردّ كان سلبياً دوماً.
بماذا يمكن أن نرفد مؤسساتنا من حلول؟
كلّ ما يوطّد ذاكرة إنسانية في المؤسسة الثقافيّة هو أمرٌ مهمٌّ جدّاً، وعلى سبيل المثال: في العام 2006 ذهبت أنا والمرحوم «نضال سيجري» إلى محافظة الرقة لنقدّم شيئاً كدعم للمقاومة اللبنانيّة البطلة، فمن الممكن أن نكون مقاتلين من نوع آخر، وليس على جبهة القتال، وقدّمنا عرضين من مسرحيّة «حمام بغدادي» في المركز الثقافي هناك، وفوجئت بذلك المكان، وبالتخريبات الموجودة فيه، والمال المهدور من دون مبرر، والأعمال غير المكتملة لإنجاز الديكورات، والزوايا المهملة، والمشاريع الملغاة، والمواد المُشتراة غير المستخدمة، والعيوب الكبيرة في ترتيب المكان… إلخ، والمهمّ قدّمنا العرضين مع عدد كبير من الناس التي تابعت بمحبّة، الآن أقول لو كان هناك عروض مستمرّة، وصالة مملوءة بصورةٍ متكررة من الجماهير في ذلك المكان؛ لوطّنت الذكريات فيه على مدى جيلين أو ثلاثة، وبالتالي سيكون هناك جيل مُدافع في المكان، ولمنع الفكر الداعشي من الزحف إليه، ومن الدخول إلى ذلك المبنى وتفجيره وتدميره «كما حصل»، ولكن ليس هناك من ذكريات مُستدامة في ذلك المكان إلا ما ندر، فاجتاح ذلك الوباء المدينة والمركز.
توطين الذكرى أمرٌ مهمٌّ، فعندما زرت جامعتي في لندن بعد 20 عاماً، وجدت المكان أكثر ازدهاراً والأمور الإيجابيّة ازدادت إيجابيّةً، والمسرح ورثه شخصٌ أكثر أهمية من الذي قبله، ومسرح البجعة الذي هو مسرح شكسبير في الأساس ازداد جمالاً، وكأنّه افتُتح في الأمس، فالناس تهتمّ، ومن يصون المنشأة الثقافيّة هم الناس المرتادون لها، لا من يفتتحها، هذه العقليّة القروسطيّة موجودة في وزارة الثقافة منذ زمنٍ بعيد، وهي عملت وتعمل على تآكل الثقافة في بلدنا، وتعمل على تعويد الإنسان عدم زيارة المؤسسة الثقافية، وبالتالي ليس مطلوباً من هؤلاء الذين يديرون المؤسسات إلا الاهتمام بأنفسهم وبكراسيهم، ومن يحاول أن يرفع الصوت للاهتمام بالمسألة همّ قلّة قليلة لا يسمع لهم صوت.
كيف سيتمّ علاج المسألة الثقافيّة برأيك والقائمون على المكان غير متعاونين؟
برأيي علاج هذه المسألة يحتاج لقرار سياسي، فالمسألة الثقافيّة في سورية باتت تحتاج لقرار سياسي وطني حاسم؛ باتجاه الإمساك بهذه الأماكن من خلال جيل الشباب، القادر أن يخوض في مسألة التنظيم، والاقتصاد، والمال، وكيفيّة إدارته، وتطوير الإدارة وفق رؤى تجعلها رشيقة، ووثّابة، ووجدانيّة، غير مدّعية، ولا لصوصيّة، وذلك في كلّ الأماكن الثقافيّة والتربويّة، والانتهاء من صورة اللصّ الذي يدّعي نفسه حاميّاً للثقافة، وهو يسرقنا ويدمّر في جيلنا وثقافتنا وهويّتنا. أنا شبه مؤمن أن الأُسّ الأصلي للأزمة السوريّة هو انهيار الثقافة، فقد تخلّت وزارة الثقافة السوريّة منذ زمنٍ بعيد عن مهمّاتها في تحصين العقل السوري، فبات مخرّماً، ومبعثراً، ومجزّأً، وتواطئ هذا السلوك بشكل أو بآخر، بوعي أو بلا وعي مع الأمر الخارجي في إحالة الشعب السوري إلى الشاشات التلفزيونيّة تحت لافتة الشاشة الوطنيّة، فبتنا اليوم من «زبائن» القنوات الفضائيّة أكثر مما نحن «جمهور» في مسرح، وسينما، وشعر، ونواد ثقافيّة ورياضيّة، وغيرها، فقد تبعثرت كلمة الوطنيّة من بعثرة الآخرين لوجداناتنا بذكاءٍ شديد، عبر تدجين إعلامي، تمّ قصفنا من خلاله، بكلّ ما هو مُنضّب من سينما أميركيّة وغيرها من مواد منتهية الصلاحيّة، وجاءت دهاليز الإنترنت لتكرّس هذا الأمر. كان من المفروض على وزارة الثقافة أن تعمل عمل وزارة الدفاع في وقت السلم، من تحصين للعقل من الداخل، وهو دفاع أصلي، ومن هنا أبدأ بطرح السؤال من المسؤول عن تصريفها بالصورة الفاسدة؟! ومن يضع ميزانيّاتها بأقلّ الميزانيّات الممكنة؟! ومن الذي عمل على محاولة ازدراء من الفنان السوري – باستثناء الفنان التلفزيوني -؟!
ألا يقع جزء من اللوم على المتخرج في المعهد العالي للفنون المسرحيّة في عدم ارتياد المركب السليم؟
ندرّب الطلاب من المعهد العالي للفنون المسرحيّة؛ لكن عندما يتخرّجون فيه هناك دائماً عصا وزارة الثقافة عند العتبة تقصّ الظهر وتحطّم أياديهم، فأنا أرمي بلومي على هذه الوزارة، وليس عليهم، وشخصيّاً أنا أتعامل مع الطالب كإنسانٍ ولا أسميه ممثلاً، لأن في ذلك حرفاً عن الصفة الأساسية فيه، وهي الإنسان، ويأتي التلفزيون اليوم ليخرّب هذه الصفة، ويجذب هؤلاء ليغريهم بالمال، والالتفات للنجوميّة وتشويهه من الداخل، وتحويله إلى طاووس لديه كلّ الألوان عدا لون العقل والحكمة.
على وزارة التربية أن تكون مسؤولة أيضاً فعليها أن تعمل على جمع الشباب مع بعضهم على المسارح التي تمتلكها، وجعلهم يتعرّفون إلى بعضهم بعضاً، ويفكّرون، ويتحدّثون، فاليوم لا نرى أيّ مبادرة، ولا نجد أيّ محاولة من هذا التفاعل، وبالتالي الاختراق سهل لهذه الأجيال ويتمّ بسهولة، ولو أنه لدينا هذه المبادرات لما وصل إلينا أيّ فكرٍ غريب، على وزارة التربية جعل مادة المسرح إحدى أهمّ مواد تلاميذنا وطلاب مدارسنا لما له من تأثير إيجابي لهذا الفنّ كتراث إنساني.
ما سرّ حجب الفرد المثقف؟
الفرد المثقف موجود ولكن هناك من يواجهه ويقول له: ليس لك مكان إلا بعد أن تخدمني! وبالتالي الوصول لحالة من الاستعباد. وطننا ملآن بالمثقفين، وبأصحاب المشاريع الهائلة، كـ«الماغوط»، و«ممدوح عدوان»، و«وليد إخلاصي» وقائمة طويلة من الأسماء التي نفخر بعطاءاتها ولا يسعني ذكرها جميعها الآن، وعندما جمعتُ شخصيّاً هذه الأسماء، ومشاريعها، معمّماً إيّاها بوصيّة «سعد الله ونوس»، وقدّمتها لوزارة الثقافة في عام 2000 تمّت السخرية من مجلس وزارة الثقافة من هذه المشاريع السوريّة، وتضاحكوا وسخروا، فانسحبت مع تلك المشاريع والوصيّة. فهذا النمط من العمل هو عمل جماعي مشترك لا يمكن لفردٍ واحد أن يقوم به.
هل يعوّل اليوم على السينما لتكون أحد الحلول لإنعاش الثقافة والذاكرة؟
كممثل بعد كلّ هذا العمر والتجربة كان من المفترض أن يكون لدي 35 فيلماً في رصيدي على الأقلّ، ولكن الفرصة السينمائيّة شحيحة في بلدنا، ولو كانت موجودة لرأيت الفيلم الوطني، ولرأيت الفيلم السوري الحقيقي، أمّا على هذا الحال الذي يقدّم فلا سينما في سورية، ونعم هناك أفلام تُنتج وتستقطب جمهوراً، ولكن ما الخطوة بعد هذا الفيلم؟ الإنتاج القليل يُضعف التجربة والحضور، إضافة للمعاناة التي نعيشها أثناء التصوير أذكر على سبيل المثال أن الكاميرا في فيلم «رسائل شفهية» كان لها صوت دراجة ناريّة، وعلى الرغم من ذلك قدّمنا الفيلم، ولكن هذا التأخر على مستوى المادّة والتقنيّة، ومحاولة ازدراء الإنسان في أجره، ومحاولة ترويج أنّنا أعطيناه فرصة، هي فكرة مغلوطة جداً، فالإنسان هو الفرصة، وليس ما يُقدّم للإنسان، فالإشراق في الإنسان، علينا ألا نقلب القواعد الحقيقيّة في حياتنا.
على الرغم من الصورة المغلوطة لشاشة التلفزيون إلا أنّك عملت في هذا الميدان، ولكن هل ندمت في تقديم شخصيّة بعد الانتهاء من تجسيدها؟
ما من عملٍ قمتُ به إلا بعد فترة زمنيّة قلت فيه «لو»، فما من عملٍ كامل، والسعي للكمال هو أمرٌ مطلوبٌ دائماً، وبالتأكيد التلفزيون شكّل – في 15 عاماً الأخيرة من حياتي – مجالاً جديداً للعمل، بعد أن انغمست كليّاً في العمل في المسرح كمشروع خاصّ بي، داخل وخارج سورية، فجئت للتلفزيون للحصول على شيء من المال والشهرة، فعندما أقدّم بقعة ضوء في لوحة «عابر نفق» أو لوحة ذلك المتجر في الأصنصير، أو غير ذلك، يراني أشخاص بالملايين، على حين أن جمهور المسرح والسينما جمهور نوعي وخاصّ لا علاقة له بزبائن القنوات الفضائيّة، بالتأكيد هنا الميزان مختلف، ولكن لا يمكن لهذا الميزان أن يحيدني عن طريقي الحقيقي، فأنا أقدّم عملي وأمضي إلى مشروعي الأساسي، وهو أن الممثّل الحقيقي قادرٌ أن يفعل شيئاً في السينما، والمسرح، والتدريب الذي أستطيع تقديم نفسي فيه بقوّة في المعهد أو المكان المتاح. وبالتالي لا يعنيني الصخب، ولا القنوات الفضائيّة، ولا أن أكون زبوناً لأي مكانٍ يشبه ذلك.
كان من الممكن أن يكون التلفزيون السوري عظيماً في حياتنا لو بقي المسرح في نموٍّ وتطوّر، وكذلك السينما، والرواية، والترجمة، والرقص والغناء بمستواهما الراقي، أمّا وقد تمّت إحالة الشعوب العربيّة، ومن بينها الشعب السوري، إلى التلفزيونات، فبتنا بعيدين عن مفهوم «الجمهور»، وبتنا «زبائن» للقنوات الفضائيّة تفصص في أدمغتنا تشريحيّاً بما يتناسب سياسة أصحاب ومديري هذه الأقنية.
أصبحنا مرضى التلفزيون ومدمنيه وللوجبة التلفزيونيّة وخصوصاً الرمضانيّة وهي وجبة لها ألف صحن وصحن وألف مذاق وبتنا بسبب هذا الإدمان التلفزيوني موالين للقنوات الفضائية والتي تعدّ بالآلاف فأبعدت ليس الفرد عن الفرد وحسب بل أبعدت الفرد عن ذاته أيضاً.
لشخصيّة «عسّاف» في مسلسل «ضبوا الشناتي» حضور مختلف عن كلّ ما جسّدته سابقاً؟
هناك شخصيّات نسمّيها الفاكهة أو السُكَّرَة، و«عساف» هو من هذا النوع، كان عليّ الاستمتاع بمذاقها حتى آخر لحظة، وجميع من كان في هذا العمل كان مميزاً في حضوره من ممثلين وتقنيين فكلّهم أبطال ولا استثني أيّ اسم منهم، وبخصوص التقنيين والفنيين لا بدّ من ذكرهم في هذه النقطة فعلى نقابة الفنانين أن تهتم بهم وبالأجور الخاصّة بهم، فهم من يرفعون من مستوى العمل، وهؤلاء يجب أن يقدّروا، فهم الأقل أجراً بيننا، وعلى من يشغّلهم أن يحترم حاجاتهم الماديّة، والمعنويّة، فهم ليسوا أقلّ من أي إنسان يعمل في هذا المجال.
من بابٍ آخر أودّ الحديث عن مسألة تشغيل الأطفال في الأعمال التلفزيونيّة وهو أمر مريع في العمل التلفزيوني، إذّ يتمّ ابتزاز الأطفال بالقروش وبلقمة العيش، ومن يعمل منهم يعمل بسبب المأساة وعلى «نئابة» الفنانين أن تنتبه لهذه المسألة لا أن تتجاهل هذه القضيّة الخطرة أو أن تتحول إلى مجال للابتزاز أو الاستثمار لا سمح الله !!
كلمة أخيرة للفنان «فايز قزق»:
علينا اليوم أن نستعيد منمنماتنا الخاصّة فليس من المفروض القضاء على السينما في السلميّة، وعلى أبناء «نادي الموّاز» العودة لتدريب الناس في دمشق، فهم أحد مظاهر القوّة فيها، وليس من المفروض إغلاق سينما «فؤاد» في دير الزور بل يجب فتح المزيد من الصالات، ومن ثمَّ المزيد من التنشيط والحوار وبذلك لا نسقط ولا نتهاوى، ولا يمكن لأميركا ولغيرها أن تخترقنا. في موجة الربيع العربي هذه هي المرّة الأولى في التاريخ التي يكسب فيها المهاجم كلّ شيء على الإطلاق، ولا يخسر فيها أيّ شيء على الإطلاق. أعني بذلك (الحركة الصهيونيّة) التي بات لها ألف وجه ووجه من «دبي» إلى «الدار البيضاء» ومن «إربيل» حتى «جوبا».
درست المسرح في بريطانيا وجئت بشهادة عليا منها، وسألت نفسي مرة لو جئت بشكسبير اليوم ووضعته على مدرّج «بصرى الشام» وسألته 3 أسئلة فقط من مئات الأسئلة من هذا المكان، لأخفق شكسبير في الإجابة عنها، فهذا المدرّج رَحِمٌ فوّار بالفنون والثقافة والإبداع واللغات والأديان والفلسفات، وهو محطّ أنظار العالم، إلا المسؤول السوري في وزارة الثقافة، وأنا لا أعني فقط بصرى في روايتي بل أعنيه كرمز لكلّ الأماكن السوريّة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن