الأولى

بالميرا.. والسلام

تيري ميسان:

 

تأسست داعش في أروقة البنتاغون، كما يتضح من تقرير لوكالة الاستخبارات العسكرية مؤرخ في شهر آب 2012، بعد رفع السرية عنه هذا الأسبوع، ومن نشر صحيفة نيويورك تايمز لخريطة روبن رايت في شهر أيلول 2013، وجلسة سرية للكونغرس ذكرتها وكالة رويترز في شهر كانون الثاني 2014.
كان الهدف من هذا الكيان، إنشاء «كردستان»، وكذلك دولة سنية تمتد بين سورية والعراق، بغية قطع «طريق الحرير»، وكسر «محور المقاومة».
منذ فجر التاريخ، ارتبطت تشيان (العاصمة القديمة للصين)، بحزمة طرق مواصلات مع شواطيء البحر المتوسط. كانت تصل هذه الطريق إيران مع البحر المتوسط إما عبر البادية السورية، أو عن طريق دير الزور وحلب، أو تدمر ودمشق.
تستخدم هذه الطريق في الوقت الحالي لنقل الأسلحة لسورية وكذلك لحزب اللـه اللبناني، ومن المفترض أن تستخدم لاحقا لنقل الغاز من حقل فارس (إيران) إلى ميناء اللاذقية.
بالميرا، تدمر (مدينة الصحراء)، ليست مجرد أطلال عن ماض مدهش في روعته فحسب، بل هي قطعة إستراتيجية في التوازن الإقليمي.
من غير المقبول القول إن الجيش العربي السوري لم يحاول الدفاع عنها.
في الواقع، ماقام به الجيش يتفق تماما مع ما دأب على القيام به منذ وصول المرتزقة إلى البلاد: تخفيفا لحجم الخسائر بين المدنيين، ينسحب الجيش عادة حين يتقدم المرتزقة بأرتال صغيرة منسقة (بفضل أجهزة الاتصالات التي يزودهم بها الغرب)، ويضربهم حين يأتون بأرتال كبيرة.
التحالف الدولي لمكافحة داعش الذي أنشأته الولايات المتحدة في شهر آب من العام الماضي 2014، لم يقاتل الجهاديين أبدا. بل على العكس من ذلك- وهذا موثق أكثر من أربعين مرة- كانت الطائرات الغربية تلقي الأسلحة والذخائر للدولة الإسلامية.
فضلا عن ذلك، يدعي ما يسمى ائتلاف 22 دولة أن لديهم عدداً أكبر من الرجال الذين يتفوقون على داعش من حيث التدريب والعتاد. ومع ذلك لم تتراجع الامارة الإسلامية، ولم يمنعها ذلك من غزو طرق جديدة.
على أية حال، فقد غيرت واشنطن إستراتيجيتها. إن تسمية الكولونيل جيمس. اتش بيكر بصفة خبير إستراتيجي في البنتاغون، أكبر دليل على أن صفحة «إستراتيجية الفوضى» قد طويت، وأن الولايات المتحدة عادت إلى تصور الامبراطورية الكلاسيكية التي ترتكز إلى دول مستقرة.
ولكي تتمكن من توقيع الاتفاق مع إيران، سوف يترتب على الولايات المتحدة إجلاء الإمارة الإسلامية نهائياً من المشرق العربي قبل 30 حزيران القادم.
الحملة التي يقوم بها الإعلام الغربي عن سقوط تدمر، يمكن أن تشكل تمهيدا للرأي العام في انخراط عسكري غربي فعلي ضد داعش.
هذا هو التفسير الوحيد للاجتماع المزمع عقده في 2 حزيران في باريس، والذي سوف يضم 22 عضواً من التحالف، إضافة إلى (منظمتين دوليتين).
حتى ذلك الموعد، ينبغي على وزارة الدفاع الأميركية أن تقرر فيما إذا كانت ستقضي على الامارة الإسلامية، أم إنها ستنقلها وتستخدمها في مهام أخرى، وسيكون أمامها ثلاث وجهات ممكنة: نقل الجهاديين إلى ليبيا، أو إفريقيا السوداء، أو إلى القوقاز. وإلا، فلن توقع إيران على الاتفاق، وستستمر الحرب إلى أن تبلغ ذروتها.
ولأن سقوط بالميرا تحت ضربات الجهاديين «المصنعين في الغرب»، سيترتب عليه النتائج نفسها التي تمخضت عن انتزاع جحافل أورليان لبالميرا من ملكتها زنوبيا، فإن حزب اللـه يستعد منذ الآن للتعبئة العامة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن