من دفتر الوطن

ياباني يهدي إلينا عيوبنا

| حسن م. يوسف 

في مطلع سبعينيات القرن الماضي، اشتعل رأسي عندما قرأت كيف مارس الروائي الياباني يوكيو ميشيما «الهارا كيري» غرس السيف في صدره، على طريقة محاربي الساموراي، لأنه أراد أن يمارس «التطهير الروحي بحقِّ ذاته، احتجاجاً على التأمرك الياباني، والمدّ الحداثي الغاشم الذي طال الثقافة اليابانية الأصيلة في جذورها العميقة». وقد تحول اهتمامي باليابان إلى ما يشبه الهوس عندما قام روائي كبير آخر هو ياسوناري كاواباتا بعد عامين بالانتحار لسبب مشابه هو «انتصار الحداثة على الجذر في اليابان الحديثة». وقد أيقظت مصائر وكتابات هؤلاء في داخلي فضولاً حرَّاقاً للتعرف على روح ذلك البلد. ومع أنني طرت بأجنحة الصحافة إلى كثير من بلدان العالم إلا أن زيارة اليابان ظلت حسرة في قلبي. لأن قراءاتي لم تمكنني من الإحاطة بسر الإنسان الياباني الذي خرج مدمراً مهزوماً من الحرب العالمية الثانية لكنه استطاع خلال سبعين سنة أن يحول بلده الذي يفتقر للثروات والموارد الطبيعية ولا تتجاوز مساحته 380 ألف كيلو متر مربع تشغل الجبال البركانية نحو 85% منها، إلى إحدى معجزات الاقتصاد العالمي!
قبل أسبوعين نشر الصديق فوز حوا على صفحته عرض شرائح لمقتطفات من كتاب: «العرب، وجهة نظر يابانية» للمستعرب الياباني نوبوأكي نوتوهارا الصادر في ألمانيا عن دار الجمل عام 2003، وقد أرفق عرض الشرائح بعرض كريم آخر هو تقديم نسخ ورقية من الكتاب لمن يهتم باقتنائه. وقد كان من الطبيعي أن أكون في الطليعة.
ولد نوبوأكي نوتوهارا في اليابان عام 1940، درس اللغة العربية وعلومها في الجامعات اليابانية والعربية، وأمضى أربعين عاماً وهو يتنقل بين مدن وأرياف البلدان العربية، ترجم خلالها العديد من الروايات والقصص العربية إلى اليابانية، وقد ألف كتابه هذا من وجهة نظر «المراقب المحب الحريص، الذي أعطى الشخصية العربية حتى الآن أربعين عاماً من عمره»
يقع كتاب نوتوهارا في 140 صفحة وثمانية فصول، وينقسم لمقاربتين، الأولى تتعلق بالمجتمع العربي الذي «يتسم بالقمع وانعدام المسؤولية»، والثانية تتمحور حول تجربة الكاتب مع شخصيات وأعمال عدد من الكتاب العرب الذين ترجم كتاباتهم وعالج القضايا العربية في ضوئها.
بما يشبه النبوءة رصد نوتوهارا الإرهاصات الأولى للخراب الذي يعصف بنا، يقول «الناس في المدن العربية ليسوا سعداء، وليسوا مرتاحين، الناس صامتون لا يتحدثون، ولكننا نسمع صرخة من خلال ذلك الصمت الخانق».
أعتقد أن هذا الكتاب لا يمكن تلخيصه لذا أدعو لقراءته وأكتفي بإيراد تشخيص المؤلف لواقع حال المثقفين والمعارضات العربية يقول نوتوهارا: «اكتشفت أن الكتاب النجوم يتكلمون كأنهم سُلطة… تجلس مع كاتب يتحدث عن الديمقراطية بلا تعب ثلاث ساعات ولا يعطي مجالاً لأحد من الحاضرين بالكلام. عملياً هو يمارس الدكتاتورية أو على الأقل سلطة النجم، ومع ذلك يشكو من غياب الديمقراطية».
أما المعارَضات العربية فيرى أنها «…في حقيقتها سلطة ضد السلطة أو سلطة مضادة تطمح للسيطرة على الحكم، من دون أن تقدم مشروعاً مغايراً لمشروع الحكم المسيطر».
ثم يشير إلى خطورة غياب النقد والنقد الذاتي: «برأيي إن الشخصية، أو الحزب السياسي أو الهيئة الاجتماعية التي لا تقبل النقد تنحط وتتدنى يوماً بعد يوم حتى تصل إلى الحضيض». ومع ذلك فقد تساءل في الختام: «لماذا يكرر العرب الأخطاء نفسها؟».
لقد أهدى نوتوهارا إلينا عيوبنا وقديماً قال سلفنا الصالح: «رحم اللـه امرأً أهدى إليَّ عيوبي».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن