قضايا وآراء

هل يرسم المناخ الدولي آفاق جنيف3..!؟

| عبد السلام حجاب 

رغم أن أميركا بثقلها الدولي، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، لم تكن مرة جمعية خيرية، ولو أحالت التفاهمات مع القطب الروسي مواقفها إلى التناقض حيناً وإلى التلعثم أحياناً. وإن نظامي الحكم في السعودية وتركيا وأدواتهما هما أحصنة رهان للخدمة بوساطة الإرهاب المسلح والمسيّس تحت عناوين مختلفة من أجل تخريب العملية السياسية في سورية وتفخيخ الحلول لحساب مصالح حلف الإرهاب، إلا أن تراكم الحقائق السياسية والميدانية، أظهر واقع الأوزان والأحجام لتلك القوى العاملة على حرف مسار جنيف 3 عن سكته الدولية إلى اتجاه لا يسعى إليه غير المقامرين لكونه طريقاً خاسرة بنتائجها ومدمرة بتداعياتها، وطوباوية بالأحلام التي حشدت أطراف لتحقيقها أموالاً وأسلحة ومرتزقة وغرف عمليات بعناوين وأماكن متعددة. بيد أنها تهاوت جميعها أو تكاد أمام الانتصارات التي يحققها الجيش العربي السوري، بدعم شرعي من الحلفاء والأصدقاء بات يستقطب دولاً عديدة في العالم تحت عنوانين رئيسين، الأول محاربة الإرهاب الذي تتصدى سورية لمواجهته، باعتراف دولي متصاعد، والثاني العملية السياسية التي يقع للسوريين وحدهم بقيادة سورية الحق في تقرير مستقبلهم من دون أي تدخل خارجي أو شروط مسبقة حسب قرار مجلس الأمن الدولي 2254 وبياني جنيف وتفاهمات ميونيخ التي توصلت إليها مجموعة العمل الدولية من أجل دعم سورية برئاسة روسيا وأميركا.
من دون شك، فإنه ليس من فراغ تصريحات مسؤولين بارزين في الخارجية الروسية تصف الأجندات الأميركية المعروفة سابقاً بأنها أصبحت من الماضي، بقدر ما يعكس، أن التفاهمات الروسية الأميركية أتاحت الفرصة لمناخات جديدة في العالم، فسقط مفهوم الحروب الاستباقية ضد الدول وحقوقها الوطنية السيادية، لكونها تفتح باب الدخول إلى دائرة الحروب الكبرى.
لكن السؤال يبقى قائماً بشأن تناقضات المواقف الأميركية وإذا ما كانت تريد من ورائها أولاً مساحة للمناورة السياسية في مناخات حرب باردة يشكل الإرهاب الانتقائي بين سيئ وجيد محور تحركها بناء على مصالحها الاستراتيجية مع الكيان الإسرائيلي، وما إذا كانت تسعى ثانياً إلى قوس للأزمات عابرة للعالم والحدود. أم إن أميركا سوف تعمل بنزاهة وعلى قاعدة القانون الدولي مع الجهد السوري والروسي العلني والمشروع في محاربة الإرهاب وإيجاد قوس من الانفراجات السياسية التي تعيد للعالم أمنه واستقراره وفقاً لمبادئ وميثاق الأمم المتحدة!؟
ربما يكون منطقياً بأنه من غير الممكن الالتفاف على القرارات الدولية المتعلقة بالعملية السياسية لحل الأزمة في سورية، ولاسيما القرار 2254 الذي ينص على حق السوريين بتقرير مستقبلهم بقيادة سورية، أو القرار 2253 المتعلق بمحاربة الإرهاب وتجريم التعامل معه. لكن كل شيء يصبح ممكناً في عالم يعاني مثل حال هيئاته الدولية نفاقاً سياسياً وأخلاقياً، وغياب الالتزام الصارم بالمبادئ والقرارات الدولية، وهو ما يفصح عنه زحف القوى والأطراف المتضررة لغرض أجنداتها الإرهابية على جنيف 3 في جولته الثانية ولا تخرج عن هذا السياق فرنسا وبريطانيا متجاهلتين أدوارهما القذرة في دعم الإرهاب وصناعة الأزمات في سورية وتحويل تلك الأزمات الإنسانية منها ولجوء أعداد من السوريين إلى سوق عكاظ سياسي لاستهداف سورية.
ولم يكن بعيداً عن هذا التوجه الاستباقي موجة الانتهاكات الدامية التي قامت بها جبهة النصرة ومشتقاتها الإرهابية لضرب الاتفاق الروسي الأميركي لوقف الأعمال القتالية في سورية الذي شرعنه مجلس الأمن الدولي بقراره 2268، وإذا كان الجانبان الروسي والأميركي أكدا في محادثة هاتفية بين لافروف وكيري دعمهما لإنجاح المآلات السياسة للاتفاق- وتثبيته واقعاً على الأرض. فإن المشغلين الأساسيين للإرهاب بعناوينه المختلفة وهما العثماني أردوغان وحكام بني سعود، ومن في فلكهما أرادا أن يكون الاتفاق فرصة لتحسين المواقع ودعم الإرهابيين بالعديد والعتاد والتخفيف من وطأة انتصارات الجيش العربي السوري بتحرير مدينتي تدمر والقريتين على جنيف 3.
ولعل الوقائع تؤكد أنه ما لم يكن قرار الشعب في سورية هو الأساس والمعيار لصياغة الواقع باجتثاث الإرهاب كأبرز معوقات بناء سورية العلمانية والتعددية والديمقراطية فإن شيئاً ما في العالم لم يتغير، بل قد تساهم في تعثره أو تعطيل مساراته رهانات البعض أو حسابات البعض الآخر بحيث يتحول المناخ التفاؤلي للعالم إلى مناخات حرب باردة لا ينتعش فيها غير الإرهاب ومشغليه من أصحاب الرؤوس الحامية.
وإذا كانت زاخاروفا المتحدثة باسم الخارجية الروسية أوضحت في تصريح أن تغيراً طرأ على مواقف الدول لجهة الاقتراب من الموقف الروسي تجاه حل الأزمة في سورية، فإن المبعوث الصيني الخاص إلى سورية أكد أن العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش العربي السوري جزء من الجهود الدولية الرامية لمكافحة الإرهاب مشيراً إلى أن الدعم الروسي لجهود سورية في مكافحة التنظيمات الإرهابية أسهم بفعالية بوقف تمدد الإرهابيين.
وهو ما أشار إليه المبعوث الأممي دي ميستورا أن أعضاء فريقي العمل التابعين لمجموعة دعم سورية راضون عما تفعله روسيا في مجال محاربة داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية الأخرى في سورية، وعلى القوى الدولية أن تحذو ذلك بالقوة العسكرية وليس بالكلام.
رغم ذلك، فإن تناقضات المواقف الأميركية تشي بأن المناخات الدولية الإيجابية التي تعبر قضاء الأزمات والقضايا الدولية الشائكة والساخنة أحياناً سوف تظل ساحة تعطيل ما يجعلها غير مستقرة، وتصريحات كيري التي يدلي بها حسب المكان وحاجة الظروف خير مثال وقد أشار الوزير لافروف في عرضه للصيغة الجديدة لعقيدة السياسة الخارجية الروسية إلى وجود توجه عام لتطور العلاقات الدولية في ظل عالم متعدد الأقطاب.
وعليه فإنه طبيعي أن يفرد المبعوث الدولي دي ميستورا أوراق حقيبته في دمشق، وما تضمنته لقاءاته ومحادثاته وآخرها في موسكو على وقع المناخات الدولية المستجدة التي من المفترض أن تفتح آفاقاً أمام حوار سوري- سوري في الجولة الثانية من جنيف 3 بعد أيام قليلة بحيث تكون الأولوية لمحاربة الإرهاب وليس لأجندات وشروط مسبقة أصبحت من الماضي.
كما لن تغيب عنه النجاحات السياسية والانتصارات الميدانية التي تحققها الجمهورية العربية السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد سواء في الحرب على الإرهاب أم بالمصالحات الوطنية وتقدمها المجتمعي، أم بإجراء الانتخابات التشريعية في موعدها الدستوري كحق وواجب يمارسه المواطنون السوريون ينسحب على أي قرار سيادي لاحق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن