قضايا وآراء

جنيف والانفراج الغامض

| مازن بلال 

الإنجاز الأهم حسب تعبير السيد ستيفان دي ميستورا، المبعوث الأممي إلى سورية، هو انتقال مفاوضات جنيف للحديث الجدي عن «الانتقال السياسي»، فرغم انسحاب وفد الرياض بشكل تدريجي؛ لكن هذا المصطلح بدأ يتبلور «تقنيا» وظهرت تصورات بشأنه لدى معظم المشاركين، غير أن الانفراج هنا لا يعني شيئا دون دخول الدول الراعية، أو ما يسمى مجموعة الـ16، بدعم حقيقي للعملية السياسية، وعندما يتحدث دي ميستورا أمام «منصة دمشق» (معارضة الداخل) عن ضرورة العودة إلى الدول الراعية فهذا يعني أن هناك أزمة حقيقية تعرقل المفاوضات.
كل التصريحات الصادرة من جنيف تحاول تجاوز انسحاب وفد الرياض، وضمن مؤشر عن توافق روسي – أميركي على تكريس الحل السلمي؛ استمرت الجولة الحالية في جنيف واتخذت طابعا فعالا من خلال إيجاد نقاط مشتركة لما يسمى «الانتقال السياسي»، وعلى عكس باقي الجولات فإن عمق المباحثات لم يكن سياسيا بل اتجه نحو الآليات، الأمر الذي أزعج وفد الرياض فغادر مبكرا لأنه يعتبر أن هناك ضرورة لـ«الحسم السياسي» الذي يتضمن أمرين:
– الأول تجاوز الشرعية القائمة حاليا فعملية الانتقال بالنسبة له هي أشبه بـ«مجلس قيادة الثورة»، في حين يسير التفاوض نحو «الانتقال» إلى حالة سياسية تعاكس هذا المفهوم الذي لم يعد مقبولا حتى على صعيد التصريحات الإعلامية.
السيناريوهات السياسية المطروحة في جنيف تجاوزت مسألة «التصنيف السياسي»، فهي لا تبحث عمن يملك الحق في المشاركة بعملية التفاوض، ومن جهة ثانية فإن الغاية الأساسية لها تثبيت «التعددية» كسياق لحل الأزمة، في وقت يتحرك فيه وفد الرياض ضمن إطار «الاحتكار» الذي لا يرى في التفاوض سوى كسب الأوراق وتأكيد «الاشتباك».
– الثاني توزيع الأدوار السياسية، فالمشهد بالنسبة لوفد الرياض يمكن اختصاره بمربع واحد يشهد معارك واقتتالاً، وأي هدوء أو وقف للأعمال القتالية سيؤثر سلبا في موقع هذا الوفد، أو سيسلبه قوته التفاوضية.
في جنيف اليوم بحث جدي لتكريس «وقف الأعمال العدائية»؛ الأمر الذي دفع نحو انكفاء وفد الرياض وخروجه عن سياق التفاوض، وكان إشعال الجبهات ضرورة مع بداية التفاوض حتى يكتسب هذا الوفد ثقة بموقعه داخل العملية السياسية، لكن ما حصل أن العنف لم يحول المسار العام في جنيف فتحول الحديث عن الوضع الإنساني، وشهد الأسبوع الماضي تحركا دوليا بهذا الاتجاه من دون أن تؤدي هذه التحركات إلى بقاء وفد الرياض في جنيف.
الجولة الحالية التي تدخل أسبوعها الثاني لا تحمل على المستوى الإعلامي اختراقا حقيقيا، لكن جنيف لم تعد منصة لتثبيت المواقف بل لتحديد المهام القادمة وهذا الأمر لا يستوعبه البعض؛ لأنه يعتبر المسار السياسي هو لتكريس التناقض، وهذا الأمر يخالف المنطق العام للأمم المتحدة في فض النزاعات، وعدم النظر بشكل جدي إلى أن انسحاب وفد الرياض يشكل رغبة دولية في عدم التعامل مع مسألة «الابتزاز» التي فرضها وفد الرياض منذ بدء التفاوض قبل أشهر.
عضو وفد معارضة الداخل إلى مفاوضات جنيف

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن