ثقافة وفن

أصغر كتاب في العالم .. سنوات من العمل لإيجاد التطابق بين أبعاد الحروف والصفحات والطباعة والتجليد

| مها محفوض محمد

هو ليس كتاب للقراءة وعملياً لا يمكن رؤيته بالعين المجردة، اختراع جديد للباحث الروسي في علوم الفيزياء فلاديمير آنيسكين من مدينة نوفوسيبيرسيك (3300 كم شرق موسكو) الذي ابتكر الكتاب الأصغر في العالم ليكون تحفة رائعة في عالم الميكروسكوبيك ويدخل في موسوعة غينيس حيث ضرب الرقم القياسي في صغر حجمه فهو أصغر بـ88 مرة من الكتاب الياباني الذي أصدرته دار النشر اليابانية «توبان» في العام 2013 الذي سجل أيضاً في موسوعة غينيس كأصغر كتيب أو كمعجم ميكروسكوبي في العالم وحمل عنوان «لغة الزهر» لا يمكن قراءته دون استخدام المجهر على أنه النموذج الوحيد لأصغر كتاب في العالم غير أن الباحث السيبيري آنيسكين قام اليوم بابتكار جزأين دفعة واحدة وأعرب عن استعداده لإنجاز عشرة نماذج من كل منهما.
يقول آنيسكين لصحيفة الفيغارو: إن البحث في هذه التكنولوجيا هو الأصعب من نوعه لأنه العمل الذي يتطلب سنوات من الزمن وذلك في إيجاد التطابق والانسجام بين أبعاد الحروف والصفحات ثم تقنية الطباعة ومبدأ التجليد، إنها سيرورة عمل شاقة قائمة على البحث والتجربة فيها النجاح وفيها الإخفاق، إن صفحات كتابي لها تركيب مزدوج فهناك طبقة طلاء رقيقة جداً لصق عليها فيلم من مادة خاصة استطعت أن أطبع عليه حروفاً معدنية بوساطة الطباعة الحجرية يبلغ ارتفاع الحروف خمسة عشر ميكروناً ترتبط مع بعضها عبر ثقوب ومشابك حديدية على شكل حرف U التي بفضلها نستطيع تقليب صفحات الكتاب أما عملية تنضيد الصفحات فوق المشابك فكانت الأكثر صعوبة لأنه ليس عندي سوى يدين على حين أمامي ثلاثة أجزاء أو عناصر يجب التعامل معها في آن معاً ولا يمكن التقاط أحدها بملقط.
ويتابع مؤلف «ميكرو كتاب»: تتضمن أجزاء كتابي ست صفحات تتوضع كل منها فوق رقاقة من الذهب التي بدورها تتموضع فوق شريحة مأخوذة من حبة خشخاش نستطيع من خلالها تحقيق وإدراك ضخامة هذا العمل المصوغ بدقة لا مثيل لها وقد تتطلب مني إنجاز المرحلة الأخيرة عدة شهور أما البحث في تكنولوجيا العمل بشكل عام فقد استغرق نحو خمس سنوات والمسألة في عمل كهذا لا تتعلق فقط بالكفاءة العلمية إنما أيضاً بالحالة النفسية والذهنية ففي كثير من الأوقات لا يكون المرء بحالة نفسية تؤهله للقيام بعمل كهذا غاية في الدقة والصعوبة مطلوب فيه الهدوء والسكينة التامة لدى أي انفعال فهذا نصف العمل وإن حدث أن تشغل بأي شيء يستدعي أدنى اهتمام منك فلا داعي لأن تحاول المتابعة في إنجاز عمل مجهري كهذا لأنك لن تصل إلى نتيجة».
لذلك قام الباحث بهذا العمل كهواية وقرر ألا يحول هوايته إلى عمل يطلب فيه الالتزام بمهلة محددة بناء على طلب أحد. وفلاديمير آنيسكين هو عالم فيزياء اختصاصي في علم ميكرو تيارات السوائل والغازات والانبعاثات الحرارية على الصعيد الميكروسكوبي في معهد الميكانيك للعلوم النظرية والتطبيقية فرع سيبيريا التابع للأكاديمية الروسية للعلوم وكان قد اكتشف هوايته بفضل تلك العلوم ففي عام 1998 وعلى حين كان في السنة الأخيرة في جامعة سيبيريا الشهيرة يحضر للدفاع عن أطروحته اكتشف مصادفة في مكتبة الجامعة كتاباً يجمع وثائق تتضمن شرحاً عن أشهر تجارب للأعمال المجهرية فانجذب لها الطالب بقوة حيث وجد ضالته وبعد أن ناقش أطروحته ونال الدكتوراه بدرجة شرف عاد إلى هوايته التي أصبحت تأخذ جل اهتمامه ووقته لتبقى شغله الشاغل واليوم تعرض أعماله في متحف سان بطرسبورغ للأعمال المجهرية ومن هذه الأعمال التي تعد تحفاً رائعة في عالم المجهريات هناك نسخ لميداليات روسية ولشخصيات رسوم متحركة شعبية ومركبات فضائية نفذها على حبات الخشخاش وسلسلة من الإنجازات الأخرى المدهشة أما الإنجاز الذي يفخر به آنيسكين في سنواته الأولى فهو طاولة حجارة الشطرنج التي صنعها من قشرة جوزة يبلغ ارتفاعها 2 ملم، وعمل آخر دقيق جداً ورقيق عبارة عن وردة داخل شعرة، الفكرة طرحها عليه أحد زملائه كنوع من التحدي فقام آنيكسين بالعمل وركز على تقانته لينجزه خلال ثلاث سنوات واستطاع إبراز الوردة داخل شعرة حصان (ميكرو روز) وتتوسع مجموعة أعماله اليوم لتشمل تحفاً أخرى مشابهة حيث صنع قافلة من الجمال على شعرة الحصان أيضاً.
غير أن كتابه الجديد هذا يأتي اليوم ليتفوق على جميع أعماله السابقة من حيث التعقيد التكنولوجي فالكتاب يتضمن في جزأيه نصوصاً مختلفة أحدهما فيه الأبجدية الروسية والآخر أسماء عائلات لثلاثة حرفيين روس من الصناع المهرة الذي تركوا بصمات في هذا المجال وقدموا أعمالاً مهمة للأدب الكلاسيكي الروسي، وهؤلاء الحرفيون لا يتجاوز عددهم العشرة يعيش معظمهم في روسيا والباقي في كازاخستان وتايوان.
اليوم يتأهب هذا الباحث لاختراع جهاز موبايل على هذا النحو فالأفكار حاضرة لديه لصنع هذه الآلة الدقيقة جداً لكن المهارة تكمن في الأسرار الكبرى وقد يجد نفسه اليوم آنيسكين ملتزماً بمهمة ضخمة إلا وهي اختراع أصغر موبايل في العالم وما من شك لديه أن المآثر قادمة لا ريب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن