قضايا وآراء

منظمة شنغهاي على شواطئ سوتشي

| د. بسام أبو عبد الله 

شكلت عبارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الشهيرة: (إن أكبر كارثة جيوسياسية حصلت في القرن العشرين هي انهيار الاتحاد السوفياتي. من لم يحزن على انهيار الاتحاد السوفياتي لا قلب له. ومن يرد إعادته بحلته السابقة فلا عقل له)، العبارة المفتاحية لاجتراح واقع دولي جديد يأخذ بالاعتبار مكانة روسيا، وأهميتها التاريخية، ودورها السياسي، والاقتصادي المهم، وخاصة أن أصحاب نظرية الاندماج في الغرب، وإدارة الظهر للشرق في عهد يلتسين أذلوا روسيا، وتاريخ شعبها، ولم ينجحوا في إثبات توجهاتهم السياسية إذ استمرت واشنطن، وحلف شمال الأطلسي في التوسع شرقاً، وحصار روسيا خلافاً- لتعهداته بعدم فعل ذلك.
كان السعي الروسي واضحاً في عهد بوتين لبناء نظام عالمي متعدد الأقطاب كبديل للنظام الأحادي القطبية الذي أنتج كوارث حقيقية على العالم، ومنطقتنا العربية والعالم الإسلامي، وانتقده الرئيس الروسي بحدة في خطابه الشهير أمام مؤتمر ميونيخ للسياسات الأمنية في 10/شباط 2007، ماذا قال بوتين آنذاك:
(هذا عالم بسيد واحد، وصاحب واحد للحقوق السيادية، ما يعتبر أمراً مهلكاً في نهاية الأمر، أرى أن النموذج الأحادي القطب ليس فقط غير مقبول بالنسبة إلى العالم المعاصر بل مستحيل التحقيق على الإطلاق، لأن النموذج نفسه لا يعمل لأنه لا يعتمد، ولا يمكن أن يعتمد على الأسس المعنوية والأخلاقية للحضارة المعاصرة. إننا نرى تزايد الاستخفاف بالمبادئ الأساسية للقانون الدولي. وأكثر من ذلك فإن بعض القواعد الحقوقية المنفردة- تقريباً النظام القانوني برمته لدولة واحدة- قد تجاوزت الحدود الوطنية في كل الميادين: في الاقتصاد، في السياسة، وفي الميدان الإنساني، وأصبحت تُفرض على الدول الأخرى. لمن يروق هذا الأمر؟ أكرر لمن يروق هذا الأمر).
وبالتأكيد هذا الأمر يروق لكل الذين لم يعتادوا على القرار الوطني المستقل، ولا يعرفون معنى السيادة الوطنية، وللأسف هناك نماذج فجة لها في العالم العربي، وقصة سورية، والحرب عليها ترتبط أساساً بمحاولة هؤلاء فرض إرادتهم، وسياساتهم على الشعب السوري.
بديل روسيا الإستراتيجي كان في الاتحاد الأوراسي، وفي منظمة شنغهاي للتعاون التي انطلقت فكرتها في نيسان 1996، ولتولد رسمياً في حزيران عام 2001 في الصين تحت اسم (منظمة إقليمية للتعاون الدولي متعدد الأطراف) وتتكون من ست دول دائمة العضوية هي: (الصين، روسيا الاتحادية، كازاخستان، طاجكستان، قيرغيزستان، أوزبكستان) إضافة لسعي المنظمة لضم الهند، وباكستان، وأما إيران فسوف تصبح دائمة العضوية في قمة طشقند المزمع عقدها في حزيران 2016، كما أن هناك دولاً تحضر القمم السنوية بصفة (مراقب): منغوليا، أفغانستان، وروسيا البيضاء، إضافة لشركاء الحوار: سريلانكا، تركيا، أذربيجان، أرمينيا، كمبوديا، نيبال، وضيوف المنظمة: منظمة دول آسيان، منظمة (صداقة الدول المستقلة)، وتركمانستان.
إن نظرة سريعة لهذا العالم الجديد الذي يتشكل تُظهر أن مجموع دول المنظمة الأساسية (6+ الهند وباكستان) تبلغ مساحتها أكثر من 37 مليون كم2، ويسكنها أكثر من (3) مليارات إنسان- أي نصف سكان العالم.
مناسبة الحديث هنا عن منظمة شنغهاي هو المنتدى الدولي الذي أقامته في مدينة سوتشي الروسية على البحر الأسود في الفترة بين (19-20) نيسان 2016 حول (دور المجتمع المدني، والدبلوماسية العامة لمزيد من تطوير وتوسيع منظمة شنغهاي للتعاون)، ونتج عنه ما سوف يُعرف بـ(مبادرة سوتشي) التي سوف تتحول إلى منظمة غير حكومية للحوار الدولي ذات طابع دائم، وسوف تحصل على دعم قمة المنظمة القادمة في حزيران 2016- في أوزبكستان لتتحول إلى إحدى أذرع منظمة شنغهاي للقوة الناعمة.
إن هدف «مبادرة سوتشي» التي كان لي، مع النائبة السابقة ماريا سعادة شرف المشاركة باسم سورية في إطلاقها، هو القناعة لدى المشاركين بأن روح «منظمة شنغهاي» القائمة على الثقة، التعاون القائم على المنفعة المتبادلة، اللاعنف، التعاون الاقتصادي والإنساني لكل الشعوب، والأمم يجب أن تُنشر بمساعدة لغة الدبلوماسية الشعبية، إضافة لقناعة المؤتمرين أن توسع المنظمة المستقبلي يحتاج إلى تكثيف مساهمة المجتمعات المدنية في الحوار بهدف ضمان شفافية، وعمق مسار التكامل، والاندماج، وإزالة العقبات، والحواجز، وسوء الفهم في سياق التنفيذ.
لا شك أن انضمام دول كبرى مثل «الهند، وباكستان» إلى المنظمة سيحملها عبء ايجاد حلول للمشاكل الحساسة بين البلدين، إضافة لمشاكل التكامل الاقتصادي، والتنسيق السياسي، والقضايا الثقافية التي تشكل تحديات للدول الأعضاء، وللدول المرشحة للعضوية، ولكن المهم في كل هذا الطرح والمقاربة أنه يقوم على مبادئ التعايش السلمي، والنمو الاقتصادي، والحفاظ على الثقافات التقليدية، واحترام حرية العقيدة، وممارسة الشعائر الدينية، وهو طرح يتناقض تماماً مع مقاربة أميركا، والغرب القائمة على سياسات الهيمنة، والسيطرة، وصراع الحضارات، والحروب الدينية، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، والشعوب.
لقد أرخى جمال مدينة سوتشي الروسية، وطبيعتها الخلابة، وشواطئها الجميلة ومدينة الألعاب الأولمبية الشتوية بظلاله على المؤتمرين، وشعر الجميع على اختلاف القوميات، والقارات، والأديان أننا كبشر نمتلك القدرة على الحوار، واجتراح الحلول بطرق حضارية، وعبر تبادل الخبرات والتجارب وهو ما جمعنا على شواطئ سوتشي الجميلة، وجعلنا نتحدث بلغة واحدة ترفض سياسة الهيمنة، والقطب الواحد، والتي كما يبدو في طريقها للأفول، والزوال بعد أن جلبت للعالم الكوارث، والحروب، والدمار..
أما سورية، وقضيتها فقد كانت في صلب النقاشات الجانبية، وفي المؤتمر وخاصة في الجزء المتعلق بـ«الأمن، ومكافحة الإرهاب» الذي نقاشه المؤتمرون، إذ كان واضحاً للجميع أن الشعب السوري يتعرض لحرب إجرامية- إرهابية، وأن صمود القيادة السورية، والجيش السوري البطل، والشعب قدم للعالم نموذجاً لنضال الشعوب في سبيل الحرية الحقيقية، والاستقلال الوطني.
لقد فاجأني زميل لي من «لاوس» في حديث جانبي عندما قال لي: أنتم في سورية نموذج للمقاومة، وسوف تنتصرون في وجه سياسات الهيمنة، وعليكم الصمود، وقد عانينا نحن قبلكم من مثل هذه السياسات، وانتصرنا..
ومن المهم الإشارة هنا إلى الدور الذي لعبته الغرفة الاجتماعية في روسيا الاتحادية في تنظيم هذا المؤتمر، وإطلاق «مبادرة سوتشي» التي نأمل أن تكون منصة للحوار الحضاري بين الأمم – والشعوب ضمن روحية أهداف ومبادئ منظمة شنغهاي للتعاون التي أعتقد أنها ستكون خياراً استراتيجياً لسورية لأن هؤلاء الأصدقاء هم من وقفوا مع سورية، وشعبها في أقسى ظروف يتعرض لها شعب، ودولة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
أعتقد أن العالم يتحول بسرعة نحو التعددية القطبية، وتزداد قناعة الشعوب والدول بهذا الاتجاه، لأنه الأكثر توازناً، وموضوعية، وواقعية، أما أولئك الذين ينتظرون إدارة جديدة في البيت الأبيض فالأفضل لهم أن يتطلعوا إلى الشرق حيث جذور الحضارات، والثروات، والمصالح، والأهم المبادئ الأخلاقية التي افتقدها العالم برمته، بحجة استثنائية الأميركي الذين قال لهم بوتين ذات يوم: «إنه عندما نتوجه إلى الله، فعلينا أن نتذكر أنه خلقنا أناساً متساوين».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن