ثقافة وفن

سوريات في قلب الوطن .. المربية هيفاء الدقر الدردري

| عزة آقبيق

وقفت ابنة السابعة وراء جميل مردم بك وبجانبها ابنته التي في مثل سنها على درج السرايا ونددت مع زميلتها بالاستعمار الفرنسي، وكانت قد سبقتها في وقفة مماثلة الراحلة مقبولة الشلق التي تكبرها بعامين منفردة في المكان نفسه ووراءها زميلاتها لينددن بالسياسة الفرنسية في سورية، حضرت أول مسيرة نسائية احتجاجاً على اغتيال الملك غازي الأول عام ١٩٣٩م، شاركت في كثير من المسيرات النسائية المطالبة بالاستقلال.
لتقول كان الوطن مقدساً في ثقافة جيل سورية الأول، كان حب الوطن يسري في العروق فلا شيء قبل الوطن.
مربية فاضلة قضت جل سني عمرها تعطي أجيالاً متتابعةً علوماً مختلفة بروح محبة للعطاء، أبصرت النور في محلة الشهداء خارج سور دمشق عام ١٩٢٦م، عاشت في جو عائلي يسوده الوئام، لتقول كانت والدتي واحدة من كثر، أتمت تعليمها حتى السنة الثالثة، وكبرت وتزوجت في سن مبكرة، ولكن ربما كانت لديها طموحات كبيرة حالت بينها وبين تقاليد تلك الفترة، كانت أمي تدفعنا إلى حب التعلم وهكذا كبرنا أنا وإخوتي وكبر طموح والدتنا فينا في الاستمرار في نهل العلوم المختلفة، فكان أخي عدنان مدير الكلية الحربية، وسعيد نقيب المهندسين، وموفق سفير سورية في فنزولا، ووضاح نقيب الفنانين، لتتابع أنهيت المرحلة الابتدائية، تبعتها المرحلة الإعدادية وفي سن الرابعة عشرة انتسبت إلى دار المعلمات لتمتهن أنبل المهن وتشرف على تخريج دفعات من طلاب مدارس دمشق في مراحل مختلفة مؤهلة إياهم لخوض المراحل التعليمية التالية، نظرت إليها إلى ذلك الوجه الجميل المشرق وهو يحاول استرجاع أحداث ذابت في خطوط الزمن؛ لتقول كان أساتذتنا يحملون درجة الدكتوراه كل في مجال مختلف عن الآخر لم يكن أي منهم معلماً فحسب بل كان مستنبطاً ومحركاً لعقولنا يكتب الجملة وينظر إلينا باحثاً في عقولنا الغضة عن السبب والنتيجة وهكذا كان علمنا ذا منهج تحليلي ونقدي، رافقنا في حياتنا العملية والخاصة فيما بعد، أذكر من أساتذتي أول أستاذة مختصة بباريس بمادة الرياضيات بشرى قدسي، الدكتور عبد الهادي هاشم لغة عربية، الدكتور وجيه القدسي لمادة الرياضيات، لتقول: أنهيت تلك الفترة لأنخرط في سلك التربية والتعليم كان ما تعلمته راسخاً في ذهني نقلته إلى أجيال متعاقبة قمت بتدريسها، كنت أرى فيهم أمل الوطن المشرق، إلا أن الظروف شاءت تغيير مساري التعليمي، وذلك حينما رآني أحد مفتشي حصة التربية الرياضية عام ١٩٥٠ م، وكانت جديدة على المنهج التعليمي السوري، فأوعز بنقلي من مدرسة حصة إلى مدرسة تربية رياضية على الرغم من معارضة المفتشة نعيمة الصباغ، خضعت لدورة تدريبية مكثفة بإشراف مصري مع عدد من زميلاتي أذكر منهم نوزت قطنا سهام عودة خيرية مشنوق، حيث درسنا في مدة الدورة ما يدرس في مصر خلال سنوات، كنت واثقة الخطوات دخلت مضمار الرياضة بجدية، وضحت نتيجتها عندما نالت مدرستي كؤوساً فضية عدة. في مجالات رياضية مختلفة، ليتم اختياري لإعطاء الدرس النموذجي في دار المعلمات عام ١٩٥٢م، كل هذا لم يمنعني من القيام بواجباتي العائلية، كبرت مع أبنائي الذين أحبوا بي الأم الحنون والمعلمة المتفهمة؛ وتنظر إليَّ فتراني أعيش حياة نساء قرن قد مضى بشغف وشوق لسماع المزيد، وهنا قالت كان الرجال رجالاً سعوا وراء رفعة الوطن من خلال مناصب شغلوها، كذلك كانت النساء مناهضات للاستعمار والفساد، أذكر بأننا جميعاً تطوعنا للوقوف على صناديق الاقتراع عند الانتخابات لمنع أي تلاعب أثناء العملية الانتخابية. لتقول ومنذ نشوب الثورة الجزائرية شاركت سورية بالتبرع للمجاهدين الجزائريين وذلك من خلال أسبوع الجزائر، وعليه شارك طلاب المدارس بالتبرع كل يوم سبت بفرنك لدعم الثورة ناهيك عن مراكز التبرع التي أقيمت في المساجد والساحات وخاصة ساحة الشهداء (المرجة).
حيث جندت النساء الدمشقيات أنفسهن لجمع التبرعات. كذلك شاركت النسوة الدمشقيات بغزل الكنزات الصوفية مساعدة منها لتقي الجنود السوريين البرد القارص على الجبهة.
أدبها: كانت ألفاظها محكمة ولغتها صحيحة واضحة لتقول: أحببت اللغة العربية وأولعت بها من خلال ذخيرة علمية اختزنها عقلي ناهيك عن قراءتي المتكررة لكتاب الله الكريم الذي قوم ما سها عن فكري.
سألتني أتؤمنين بالمعجزات؛ لتقول استيقظت في إحدى الليالي وأنا أردد شعراً لم أحفظه سابقاً ولم اسمعه قبلاً لأصبح فيما بعد أقرض الشعر ليكون لدي لاحقاً صفحات وصفحات شعرية واكبت فيها الأحداث الاجتماعية والسياسية على الساحتين المحلية والعربية.
تأملتها فوجدت وجهاً دمشقياً يشع نوراً إنها سليلة عائلة أحبت العلم بصنوفه وزاولته كادراً عن كادر إنها المربية الفاضلة عميدة أسرتها السيدة هيفاء الدقر الدردري.
حفظها الله وأمد في عمرها.
ختمت حديثها عن دمشق في زمن الصبا كانت دمشق واحة خضراء، فكانت بساتين الطلياني تتصل بالغوطة، وبعد نشوء حي الروضة كانت البساتين تمتد منه إلى امتداد البصر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن