قضايا وآراء

معادلات الحرب الدائرة في حلب

| صياح عزام 

في الآونة الأخيرة شهدت مدينة حلب تصعيداً ميدانياً أودى بحياة عشرات الضحايا المدنيين، وأدى إلى أضرار كبيرة في المباني والممتلكات بسبب قذائف الحقد التي أطلقتها المجموعات الإرهابية المسلحة من جبهة النصرة الإرهابية والفصائل المتحالفة معها.
إن هذا التصعيد الذي ترعاه السعودية وتركيا وقطر ما هو إلا تكثيف شامل لكل الحرب الكونية المستعرة ضد سورية دولة وشعباً وجيشاً منذ أكثر من خمس سنوات. وهذا الذي يجري في حلب يجب رؤيته في إطار المحاور المتصارعة والمحركات والأهداف الإستراتيجية والتكتيكية لكل فاعل في هذه الحرب، إذاً لا يمكن في الوقت نفسه فصله عما يجري من حروب واشتباكات أخرى في المنطقة، من العراق إلى ليبيا واليمن ولبنان ومصر وتونس، وقبل كل ذلك وبعده عما يجري في فلسطين، حيث يتمركز رأس المشروع الاستعماري في المنطقة.
بعد اتفاق وقف الأعمال القتالية، حاولت أطراف المشروع التقسيمي الطائفي استثمار الهدنة لإعادة خلط الأوراق من جديد، وتحقيق انتصارات ميدانية تشكل رصيداً يُصرف على طاولات التفاوض السياسي في جنيف.. لقد تحرّكت السعودية وتركيا لاستثمار أدواتهم من المنظمات الإرهابية في الداخل السوري في محاولة لإعادة ضبط الصراع وفق الأهداف الموضوعة، ولتحقيق انتصار عسكري يوازي معركة تحرير تدمر وتنظيف أرياف اللاذقية، وتم اختيار حلب كهدف لهم، فجرى حشد المجموعات المستوردة من آل سعود وتركيا مع تسليحها بأسلحة نوعية، مع التركيز على تعويم جبهة النصرة الأشد قوة بين المجموعات الإرهابية من أجل تحقيق اختراق حاسم على جبهة حلب.
هذه هي باختصار معادلات الحرب الدائرة على حلب وفيها الآن، فالمجموعات الإرهابية ومَن وراءها في الرياض وأنقرة يرون أن حلب وحدها تعطيهم الإحساس بأنهم معادل موضوعي للدولة الوطنية السورية التي تماسكت حتى الآن بفضل صمود جيشها ودعم أصدقائها، ويرون أيضاً أنه من دون ذلك ستبقى معارضة الرياض وتركيا «معارضة طَرَفيّة» ليس لها مُوطئ قدم في المحافظات السورية.
من هنا جاءت المساعي للسيطرة على بلدة «العيس» وتلتها الإستراتيجية، وصولاً لبلدة الحاضر واختراق قلب مدينة حلب.
تنظيم داعش الإرهابي بدوره، يحاول استعادة بلدة «خناصر» خط الإمداد الرئيسي للجيش السوري في ريف حلب الشرقي.
وما يسترعي الانتباه في إطار هذا التصعيد، هو البث الفضائي من محطات الفتنة «الجزيرة والعربية» وغيرهما والذي يعكس حجم الدجَل والخداع والنفاق والتزييف الكامن خلف حفلات «الردح» ومسرحية «التباكي» التي لا تتوقف ليلاً ونهاراً على المدنيين، والتي هي أشبه بحفلة جنون جماعية وبازار/للمتاجرة، بدماء السوريين واستخدامها لكسب معركة حلب، لكون حلب- من وجهة نظر معارضة الرياض وأنقرة هي «بيضة القبان» بالنسبة لهم ولمُشغليهم، لأنها حسب اعتقادهم تُبْقي شرايين دعم وإمداد المجموعات المسلحة مُتّصلةً بالعمق الإستراتيجي التركي، وتؤمّن استمرار التمدد التركي في العمق السوري لتحقيق أحلام «لص حلب» السلطان العثماني بوصول المنطقة الآمنة إلى ثاني أكبر وأهم المدن السورية.
من هنا يتضح وجود خريطة شديدة التعقيد والتشابك من حيث المصالح والأهداف التي يرمي إليها أطراف التآمر على سورية.
هذا وكلما حقق الجيش السوري وحلفاؤه تقدماً جديداً أو صدّوا هجوماً معادياً، اهتاجت وماجت فضائيات الفتنة، وغالباً ما تكون درجة «استنفارها» انعكاساً لحالة الاستنفار في غرف العمليات الأمنية والسياسية في الرياض وأنقرة والدوحة وعمّان، أما القذائف التي تنهمر على حلب فتجاهلتها هذه الفضائيات نهائياً، بل تتهم الجيش السوري بأنه هو وراء قصف المباني وقتل المدنيين.
بالمقابل، تدرك سورية وحلفاؤها أبعاد هذه المعادلات وأهدافها، ولهذا فهي تتحرك ضمن إستراتيجية متعددة الأهداف سياسياً وميدانياً ودولياً لكسر رهانات المتآمرين وتحقيق المزيد من المكاسب بما يفتح الباب لإنهاء هذه الحرب عليها بعد أن استنزف كل طرف متآمر ما لديه من أوراق قوة ومن رصيد.
لقد صمدت حلب وما تزال، مؤكدة أنها لن تكون مدخلاً لإنهاء الدولة السورية وتقسيمها إلى مناطق نفوذ بين الطوائف وأمراء الجهل والتخلف.
فالجيش الذي صمد أكثر من خمس سنوات وبقي متماسكاً ورابط الجأش، وقدّم آلاف الشهداء عبر تاريخه ليحمي قَسَمَه وعهده بحماية سورية أرضاً وشعباً، يعرف حق المعرفة معنى سقوط حلب، فسقوطها لا قدّر الله- له تداعياته الخطيرة، ولهذا فهو مُصمم على حمايتها وتحريرها من الإرهابيين مهما كلّفه الأمر من تضحيات وأعباء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن