قضايا وآراء

سورية المفيدة

| عامر نعيم الياس 

أثار قرار وقف العمليات القتالية في سورية العديد من علامات الاستفهام على مستوى الحلفاء في محور المقاومة، وعلى الرغم من التبريرات وكل ما سيق حول ما يسمى التنسيق فيما يخص الهدنة التي أعلنت في السابع والعشرين من شباط الماضي، وما تبعها من انسحاب روسي «رمزي» من سورية وفق توصيف العديد من المسؤولين الروس، إلا أن التساؤلات ازدادت مع مرور الوقت ومع الخروق المتعددة للهدنة على أكثر من محور من جانب كامل الميليشيات الإسلامية الموجودة على الأرض السورية، بما فيها تنظيم داعش الذي وعلى الرغم من استثنائه من الهدنة، إلا أن الجدّية الأميركية في محاربته تبقى مثار علامات استفهام قد لا تنتهي.
محاور الاشتباك تعددت وتشتيت القوّة المقاتلة للجيش السوري، شكّلاً محور تركيز الغرب عموماً وواشنطن خصوصاً بعد معركة تدمر، فكان من الواضح أن جل ما قد يريده المحور المضاد لسورية هو تجميد العمليات حتى في سياق محاربة تنظيم داعش، بمعنى تجميد التوجّه نحو الشرق من جانب الجيش السوري والقوات الرديفة، فإنجاز تدمر كما هم معلوم فتح الطريق أمام الجيش وحلفائه للتقدم باتجاه الرقة وباتجاه دير الزور ومنطقة الحدود العراقية السورية.

شرق وغرب الفرات وما بعدهما
التجميد في حلب تمّ بدخول الهدنة حيّز التنفيذ، لكن التركيز الإعلامي الغربي والنخبوي السياسي على حلب، دفع ووجّه الأنظار باتجاه عاصمة الشمال، على حين أن التحضير للمعركة الكبرى ولتكريس الاستنزاف ورسم الخرائط كان يجري في الشرق، في محور يتعدى غرب الفرات وشرق الفرات إلى ما هو أبعد من ذلك، والهدف المزدوج هو منح الرئيس الأميركي باراك أوباما إنجازه الأخير في الحرب على الإرهاب من سورية وتحديداً من «عاصمة دولة الخلافة» في الرقة، وتأجيل معركة الموصل حتى تسوية وضع القوات العراقية المشاركة في الهجوم ورسم سقف الخلافات بينها، أو جعل الخلافات مستعرة لحين إنهاك كل الأطراف.
المهم في سورية هو تحييد الجيش العربي السوري عن التقدّم الميداني وتجميد عملياته، وهذا ما حصل في شمال البلاد وشرقها، حيث حاولت واشنطن بالوسائل المتاحة إفراغ إنجاز تدمر الإستراتيجي من مضامينه، واتجهت نحو فرض الأمر الواقع الجديد عبر ما يسمى «قوات سورية الديمقراطية» من الرقة تحديداً التي يبدو -كما يرى البعض- أنها قد تتحول إلى عاصمة مفترضة لكانتون كردي يقتطع محافظات بأكملها من سورية، ويجعل من إمكانية مواجهته معقّدة إلى حدٍّ كبير حتى لو أرادت موسكو ذلك، فالثمن هو التضحية بالعلاقة مع الأكراد وبالتالي خسارة الورقة الكردية التي تشهد سباقاً محموماً على الإمساك بها بين واشنطن وموسكو.

التفاهم والتنسيق الأميركي الروسي:
لكن ماذا عن التفاهم الروسي الأميركي في سورية، هل يشمل فعلاً تقسيم الجبهات؟ هل هناك تعاون ثنائي في الرقة، أم إن أوباما ليس في وارد منح موسكو أي إنجاز؟
الواضح من رد فعل البنتاغون ونفيه التعاون مع موسكو في الرقة، وما ورد على لسان وزير الدفاع الروسي من أن الرد الروسي الأحادي على «خروقات الهدنة» سيبدأ في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، أن الميدان السوري دخل مرحلةً جديدةً من خلط الأوراق والتصعيد إلى حدود قصوى ترتسم فيه مشاهد لواقع ميداني وسياسي جديد تحديداً في شرق البلاد، يطرح العديد من التساؤلات بدوره حول الخطط الموضوعة لمواجهة هذا التطور الخطير على جبهة الرقة، فهل تترك الأمور للقرار الأميركي منعاً للصدام الروسي الأميركي، هل سيكون الرد بعودة السوخوي للعمل، وأين ستعمل، هل تكمل طوق حلب؟ أم إن التطور الميداني الجديد في الرقة يستلزم فتح معركة دير الزور أولاً؟ ماذا عن حجم التنسيق الروسي السوري الإيراني وغرف العمليات المشتركة، هل يرجَح العامل الميداني على ما سواه من تفاهمات سياسية روسية أميركية، ورهانات الكرملين على أوباما الذي لا يبدو في وارد منح موسكو أي اتفاق بدايةً من الدرع الصاروخية، مروراً بأوكرانيا والقرم، وليس انتهاءً بسورية.
الأسابيع القليلة المقبلة ستكون كفيلة بتقديم الإجابات عن التساؤلات السابقة، ولعل ما تحدّث به الأمين العام لحزب اللـه السيّد حسن نصر اللـه عن «أشهر ساخنة» ستشهدها ميادين الاشتباك ما يجيب عن جزء من هذه التساؤلات.
كاتب ومترجم سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن