الأولى

إدارة أوباما تسابق الوقت!

| بيروت – محمد عبيد 

بين الفلوجة والرقة يكمن الاختبار الحقيقي لجدية النيات والخطوات العملانية الأميركية حول أولوية إنهاء تنظيم «داعش» قبل نهاية ولاية إدارة الرئيس باراك أوباما.
بالنسبة للفلوجة، فقد راهن الكثير من حلفاء واشنطن في الحكومة العراقية على الاستفادة من هذه الاندفاعة الأميركية إلى تحقيق إنجاز عسكري يُمكن القوات المسلحة العراقية ومن يساندها من الحشد الشعبي وأبناء عشائر الأنبار من تحريرها تمهيداً للتقدم باتجاه محافظة الموصل ومحاصرتها على الأقل إن لم يسمح وقت الإدارة المذكورة بإتمام التحرير الكامل قبل الانغماس بمعركة انتخاب الرئيس الجديد، مع العلم أن هؤلاء الحلفاء كانوا يعلمون منذ زمن أن الضغط الأميركي لتأخير انطلاق الحملة العسكرية لتحرير الفلوجة كان يهدف إلى مساومة الطرف الإيراني الذي يستحوذ على القرار في الميدان حول تفاهمات تتعلق بسورية وليس بالعراق خصوصاً بعد تقدم العلاقات الروسية-الإيرانية وانعكاس هذا التقدم على الأرض السورية في مواجهة المجموعات الإرهابية التكفيرية. كما كان يهدف أيضاً إلى ابتزاز طهران من زاوية الرغبة الإيرانية في توسيع دائرة الأمان في العمق العراقي وخاصة حول العاصمة بغداد مع ما يعنيه ذلك من تطويق لداعش وحصره في جغرافية محددة. كذلك كانوا يعرفون أن إيران وهي الحليف الأساسي الفاعل لسورية والعراق معاً ليست في وارد تقديم أي تنازلات للولايات المتحدة الأميركية في أي من البلدين يسمح لها بادعاء انتصارات لم تتجاوز مشاركتها فيها سوى بعض الطلعات الجوية والضوء السياسي الأخضر للسماح بانطلاق تلك الحملة.
نجحت سياسة الصبر التقليدية الإيرانية في التهرب من القبول بمساومة أو الخضوع لابتزاز وفي الرهان على انتظار التوقيت القاتل للخطوات الأميركية التي إن لم تبادر خلاله الإدارة إلى التحرك يكون قد فات أوان استثمارها سياسياً في الحملات الانتخابية الرئاسية أو على مستوى استعادة موقع قيادة محاربة الإرهاب عالمياً بعدما حقق الند الروسي تقدماً جدياً للاستحواذ على هذا الموقع من البوابة السورية.
على أي حال، كانت صور قائد لواء القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في الميدان العراقي كافية للإشارة إلى إمساك طهران بمفاصل هذا الميدان، كذلك لتوجيه رسائل باتجاهات متعددة حول الشريك الفعلي للحكومة العراقية وقواتها المسلحة الرسمية والشعبية في هذه المعركة.
أما بالنسبة للرقة، فقد انسحب التردد السياسي الأميركي المزمن في مقاربة الأزمة في سورية على قرار الإدارة العسكري، ولم تكن الحملات الإعلامية التخويفية حول إرسال بضع مئات من قواتها المقاتلة أو تجنيدها ومساندتها لما يسمى «قوات سورية الديمقراطية» لتجدي نفعاً أو تنجز تقدماً ميدانياً مفصلياً يؤدي إلى محاصرة مدينة الرقة المحتلة من قبل تنظيم «داعش» وإنقاذ أهلها المحاصرين في داخلها.
تعلم الولايات المتحدة الأميركية أنها ولو تمكنت من تحرير الرقة وريفها كافة إلا أنها لا تمتلك القدرة العسكرية ولا البشرية الذاتية أو الحليفة للبقاء فيها أو تأمين استقرارها. فما يسمى «قوات سورية الديمقراطية» ليست مشابهة عدداً ولا قدراتياً للحشد الشعبي العراقي الذي يقاتل تحت لواء ورعاية الحكومة الشرعية العراقية المشابهة للحكومة الشرعية السورية، بل هي حالة عرقية تستفز المحيط الذي من المفترض أن تتعايش معه. ومن المؤكد أنها استفزت أكثر النظام التركي الذي يعرض خدماته يومياً لمشاركة القوات الأميركية في الحملة الموعودة على الرقة استباقاً لشريط كردي جديد محتمل على حدوده. إضافة إلى ذلك، فإن واشنطن تتهرب من التنسيق العسكري مع الجانب الروسي الذي لم يمل حتى الآن من الدعوة إلى القيام بهجمات جوية مشتركة بين القوتين الروسية والأميركية ضد المجموعات الإرهابية، رغم يقينها بأن مشاركة القوات الروسية جواً وبراً إلى جانب الجيش العربي السوري وحلفائه في أكثر من معركة ومنطقة أكسبها معرفة عميقة بالميدان السوري يمكن أن توفر للقوات الأميركية إمكانية تحقيق إنجاز حقيقي في حربها المدعاة ضد الإرهاب.
تكمن أزمة إدارة أوباما الآن في أنها تحاول أن تنجز في الأشهر المتبقية من عمرها الرئاسي ما تخلفت عنه لحوالي ثماني سنوات في العراق وما لم ترد التورط فيه مباشرة لأكثر من أربع سنوات في سورية. لكن معضلة الإدارة المقبلة ستكون أكثر خطورة وتعقيداً بعدما صار لتنظيم «القاعدة» فروع لا يمكن إحصاؤها أو حصر امتداداتها وأماكن تحركاتها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن