قضايا وآراء

الضجيج والدستور

| مازن بلال 

يقدم الجدل حول المسائل الدستورية محاولة لكسر عقدة سياسية مستمرة منذ خمس سنوات، حيث يتم تقديمه على أنه جزء من «مخرجات» لقاء فيينا2، ومن خريطة الطريق التي اعتمدتها «مجموعة الدول الداعمة لسورية»، لكنه في المقابل يعكس «فشلا» سياسيا في إيجاد توافق إقليمي على الأقل، والذهاب نحو الدستور هو لحل مسائل خلافية محددة في رؤية المخرج من الأزمة وليس لإيجاد عقد اجتماعي جديد، حيث تبدو الخلافات الأساسية في مسائل «شكل الجمهورية» رئاسية أو برلمانية؛ مرتبطة مباشرة بالمواقف السعودية حصرا من الرئاسة السورية، في وقت ترى موسكو أن الذهاب إلى دستور جديد سيحدد الخلافات ضمن سياق محدد ينتهي بانتخابات.
عمليا الدستور السوري أصبح بشكل سريع «ظاهرة» ضمن سياق الأزمة، فاهتمام المنظمات غير الحكومية، محلياً ودولياً، وتحركات القوى السياسية اتجهت نحو هذا المسار، حتى إن وفد «معارضة الداخل» أو ما أطلق عليه وفد حميميم وضع ما سماه مبادئ فوق دستورية قبل أن يشارك في جنيف لأول مرة، وتتسم ظاهرة البحث في الدستور بمحددين:
– الأول أن تطفو على مساحة التناقض في رؤية الحل السياسي؛ لأن الخروج من الأزمة ليس دستورياً بالدرجة الأولى، بل توازن على المستوى الإقليمي والدولي، وأما على المستوى الداخلي فهو تحد من نوع آخر يلامس وحدة المجتمع في محاربة الإرهاب.
ويبدو اللجوء إلى الدستور في هذا الإطار ربطاً للتناقضات عند نقطة مركزية، ووضع كل التصورات ضمن إطار «الشرعية» التي يفرضها الدستور القادم، وعلينا توقع انفجار هذه الشرعية في أي ظرف ينكسر فيه التوازن الذي سيضمنه الدستور الجديد.
– الثاني أنها إعادة لصياغة الدولة تحديدا كي تتناسب مع مهام «المرحلة الانتقالية»، ونوعية «الشراكة» و «التعددية» التي تحدث عنها بيان فيينا2، وهذا الموضوع يظهر ليس فقط في شكل السلطة التي ستنبثق لاحقا، بل يطول هوية الدولة ضمن قطيعة مع التاريخ المعاصر، وربما من هذه الزاوية ظهرت الدعوات للعودة إلى دستور 1950 وتعديله بما يناسب المرحلة، أو البحث عن مبادئ فوق دستورية لضمان عدم الخروج عن «نمط» في التفكير السياسي أوجدته «بيئة الأزمة».
في عمق هذه العملية يظهر فصل واضح ما بين الدستور والسيادة، فالمحاولات الجارية هي رسم للسيادة السورية بما يتناسب مع مجريات الأزمة، والأخطر أن المسائل الدستورية تبدو كبناء فوقي يحاول تأطير الحل السياسي ضمن «مواد» تعطي شرعية لكل النتائج المترتبة عن الأزمة، فالحل السياسي بالتأكيد سينتج دستورا وشرعية، ومن الصعب عكس هذه العملية عبر خلق توافق إقليمي، وضمنا توافق محلي، من خلال إثارة ظاهرة تنشأ خارج الحوار السوري – السوري، وتتبلور في مراكز أبحاث أو ضمن التكتيك الخاص لبعض القوى السياسية، فالدستور والسيادة لا يمكن بحثهما بشكل منفصل، أو بعيدا عن المصلحة الاجتماعية السورية خصوصا في ظل أزمة عميقة وصراع إقليمي يستخدم الإرهاب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن