قضايا وآراء

حسابات دولية مفتوحة

| مازن بلال 

يصعب فهم ما يحدث في محيط مدينة الرقة تحديداً، فالمعارك تجري على إيقاع «فتور دولي» وضمن حسابات بعدم خرق توافقات الحد الأدنى بين موسكو وواشنطن، وما تشهده الجبهات يوضح أن الحرب على داعش تتخذ مسار اختبار النيات، سواء في العراق أو سورية، فالتحالفات القائمة تتحرك لتدرس ردود فعل الطرف الآخر، وتبحث عن تصوراته التي يريد فضها من خلال حركة الجيوش، وكانت «الرقة» نموذجاً أساسياً لهذا الأمر عبر تحرك قوات ما يسمى «سورية الديمقراطية» باتجاه الريف الشمالي للمدينة، ثم عبورها لنهر الفرات والتحول نحو مدينة منبج لتوجد شريطاً موازياً للحدود مع تركيا، في المقابل تحولت الأنظار من «دير الزور» باتجاه مدينة الطبقة التي تبعد 55 كلم غربي الرقة.
وهذا الابتعاد عن مواجهة داعش في مدينة الرقة، أو حتى في الموصل، يقدم مؤشرات على أن «الحسم ضد الإرهاب» ليس مؤجلاً فقط، بل متروك لتوازن القوى سواء في سورية أو العراق، فداعش أو النصرة هما عنصران للتعامل مع السيناريوهات القادمة لرسم المنطقة، ولتحديد «قوة الدول» في شرقي المتوسط عموماً، فبعد عامين تقريباً على نشوء التحالف الدولي لضرب داعش، وأكثر من تسعة أشهر على بدء الضربات الجوية الروسية؛ فإن المشهد العام هو تكريس واقع مفتوح للإرهاب، فهناك معارك غير منتهية وسيناريو سياسي مفتوح على احتمالات كثيرة، والأهم أن المعارك ضد داعش والنصرة غيّر من الديموغرافية بشكل يسهل فرض أمر واقع في حال حدوث توافق دولي على إطار سياسي لرسم الشرق الأوسط عموماً.
عمليا فإن داعش لم تغير من النظرة الدولية للأزمة سورية، بل أتاحت التفكير مجدداً باحتمال التفكك للمنطقة كلها، وبالتالي البحث عن توازن إقليمي جديد يرتبط حُكماً بتوازن دولي لم يظهر بعد، والتأخير في حسم الكثير من المعارك هو توقف لمنع مواجهة دولية، وعدم السماح في كسر معادلة قائمة اليوم لا تتيح بإزاحة الإرهاب نهائياً لأنه على الأقل يمنع المواجهة الدولية، وهذا الأمر يشبه إلى حد بعيد الحفاظ على «الدولة العثمانية» في نهاية القرن التاسع عشر، فداعش والنصرة لا يشكلان استعصاء دولياً لأن الأزمة الحقيقية هي في توافق على نوعية التوازن في الشرق الأوسط.
هناك معارك كثيرة أصبحت ضمن الخطوط الحمر نتيجة الخشية من التصادم الدولي، لكنها تصب في النهاية بوجود مسلح يفرض نفسه على الأطراف كافة كحالة هشة لكن كسرها يحتاج لرؤية دولية مشتركة، والتفكيك الذي تقوم به موسكو عبر الضغط من أجل «هدنة دائمة»، أو فصل الجبهات بين النصرة وغيرها هو لإتاحة التحرك الدبلوماسي، لكنه لن يسمح بإزاحة الإرهاب، فـ«التنظيمات الوسيطة»، أو تلك الموجودة ما بين داعش والنصرة وجدت لمنع الفرز النهائي، ولإعطاء شكل رمادي بانتظار توافق دولي أكثر جدية، أو حتى للتأثير في الأطراف كافة.
تحرير الرقة ليس مستحيلاً، وإنهاء الإرهاب من سورية ليس سوى البدء بفهم الحرب ضمن منطق سوري، وليس كأمر واقع، وهذا الفهم ربما عليه التخلي عن تصورات سابقة انتهت تماماً، والبدء برؤية تتسع لجغرافية شرقي المتوسط، لكنها تنطلق من العمق السوري أولاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن