الأولى

ماذا تنتظر موسكو!

| بيروت – محمد عبيد 

مازالت بعض الدوائر السياسية المتابعة للشأن السوري تعيش حالة من الحيرة -بعد الصدمة-في تفسيرها للقرار السياسي الروسي بسحب جزءٍ يسيرٍ من القوات العسكرية الروسية النوعية التي شاركت الجيش العربي السوري وحلفاءه في تصديهم للتنظيمات الإرهابية التكفيرية.
وعلى الرغم من كثرة التحليلات حول هذا القرار، التي تتأرجح بين التمني واليأس، إلا أن الوقائع الميدانية تُظهِر أن المشاركة القتالية الروسية باتت موضعية ووفقاً لإيقاع الحوار الدائم والمستمر مع الولايات المتحدة الأميركية وللتفاهمات التي تحدد مساحات التحرك العسكري والجهات التي يُسمح باستهدافها من أي من الطرفين الروسي والأميركي، كما ترسم الخطوط الحمراء خصوصاً إذا كانت تمس الحلفاء الإقليميين لأي منهما. ما يعني أنه لاستعادة زخم الاندفاعة العسكرية الروسية الأولى لابد من إعادة إنضاج ظروف سياسية مماثلة كتلك التي سمحت لموسكو بتجاوز كل الاعتبارات الدولية والإقليمية التي أخَّرت هذه المشاركة والتي حدت من فعاليتها المباشرة لاحقاً.
غير أن التساؤل الأهم الذي يحتاج إلى توضيح للحلفاء قبل الخصوم والأعداء هو: هل كان القرار الروسي بالمشاركة العملانية محدداً منذ البداية بفترة زمنية تنتهي بعد تحقيق نجاحات عسكرية نوعية في جغرافيا مدروسة سلفاً، أم إن الميدان بامتداداته الإقليمية لجهة رعاية بعض الدول المجاورة كتركيا والبعيدة كالسعودية لأبرز التنظيمات الإرهابية إضافة إلى الإيحاءات الأميركية غير المعلنة حول رغبتها بمنع استهداف بعض هذه التنظيمات كالنصرة وأخواتها، قد أوقف الزحف الروسي الذي كان قد بلغ حد إعلان الانتصار على هذا الإرهاب الدولي بعدما كان قد اقترب من عزل الحدود السورية-التركية!
لاشك أن موسكو راهنت ومازالت تراهن على نجاح الحوار مع واشنطن لإيجاد حلول أو تسويات لأزمات المنطقة أو على الأقل احتواء هذه الأزمات بحيث تحد من انتشارها خصوصاً ببعدها الإرهابي «الإسلاموي» الذي يهدد روسيا وجيرانها وكذلك دول الاتحاد الأوروبي بشكل مباشر، وهو أي هذا الإرهاب قد نجح فعلاً في ضرب أمن واستقرار بعض هذه الدول على حين تمكنت الأجهزة الاستخباراتية الروسية من منعه مسبقاً من تنفيذ اعتداءاته على أراضيها. وموسكو مضطرة أيضاً للتعاون مع واشنطن في مجال مكافحة الإرهاب ذلك أن الأخيرة هي التي تملك النفوذ والقدرة على دفع حلفائها الإقليميين -في حال أرادت وقررت- إلى وقف دعمها البشري والمالي واللوجستي للتنظيمات الإرهابية البحتة أو الإرهابية الأخرى التي توصف بالمعتدلة، وخصوصاً أن دول الاتحاد الأوروبي نفسها قد سلمت أمنها الداخلي والقومي كما أمرها السياسي لواشنطن.
وتعتقد موسكو أن تجربتها في التعاون مع واشنطن على صعيد الملف النووي الإيراني قد نجحت في الوصول إلى تسوية مُرضية لجميع الأطراف المعنية به مباشرة وبالأخص الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي هي تراهن أن يشكل هذا التعاون الناجح نموذجاً يمكن استنساخه في مقاربة البحث عن حلول وتسويات لملفات المنطقة الأخرى وفي مقدمتها الأزمة في سورية.
كما ترى موسكو أن التغيير في أجندة الأولويات الأميركية الذي قَدَّم موضوعي مكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط على مسألتي الحاجة إلى النفط ونشر الديمقراطية، يؤسس لفهم مشترك يمكن البناء عليه لتوحيد جهود القوتين العظميين لإنجاز الموضوعين المذكورين. إلا أن الانتظار الروسي قد لا يتطابق مع الأجندة الزمنية الأميركية التي ستكون رهينة الانشغال في الأشهر الطويلة المقبلة بالانتخابات الرئاسية الأميركية وليس بالسياسة الخارجية لإدارة أوباما المعنية بإيصال الرديف السابق للرئيس الحالي هيلاري كلينتون إلى البيت الأبيض، وربما تكون فرصة مؤاتية لموسكو لاستعادة زمام المبادرة العسكرية التي لولاها لما قبلت بها واشنطن شريكاً موازياً في تقرير مصير المنطقة بل العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن