من دفتر الوطن

الأنانية!

| عصام داري

لم نعد نحتمل ضربات الطبيعة وغدر الزمان، وأهل الزمان، نمشي على الأرض اختيالا، وفي لحظة نتعرض لضربة شمس فتردينا أرضاً، أو لطعنة خنجر ممن كنا نظن أنه الصديق ورفيق أحد الدروب!.
ربيع وصيف تنسج دورة الحياة حكايتنا على الأرض، تحلو الأيام، أو تزداد مرارة لا يهم، ويأتي الخريف ليعلن أن الشتاء والزمهرير على الأبواب، وعلينا تقبل زمهرير أعمارنا بقناعة لأننا لا نستطيع إعادة عقارب الساعة إلى الخلف، وننتظر ما تحمله الأيام، وعلينا أن نصنع، أو نتصنع الفرح والتسليم بخيارات القضاء والقدر.
نحتاج إلى بيت بعيد على أطراف غابة مجهولة، إلى كوخ تغمره الثلوج ولنستمع إلى أغنية طالما رسمت عالمنا الصغير الساحر: «يا ريت.. أنت وأنا بالبيت»، في هذا البيت المهجور يحلو الكلام والحب، تحلو الوشوشة والهمس، ينسانا الزمان وتتركنا السنوات في محراب العشق أبد الدهور والعصور، فلم نشبع من الدنيا وقد غدر بنا الزمن وهربت منا الأعمار تسربت كتسرب المياه من بين الأصابع.
أهرب من وجعي إلى وجع الكلمات، الوجع واحد في كل الأزمنة والأمكنة، والدواء يحتكره من يصنع أوجاعنا، وأعلن أنني قررت كسر الوجع، وأنني سأهزم ما تبقى في جوانب نفسي من يأس وأنضم إلى جيش التفاؤل.
أرسم بالكلمات لوحات حب للحياة، وللإنسان، فتنبع من أوراقي أنهار من ماء وعطور ويتحول حبري إلى مزيج من ذهب وبرادة الماس، وأنسج من أبجديتي وشاحاً مرصعاً بالجواهر والأحجار الكريمة مرشوشاً بعطر وردتنا الشامية والزنبق البلدي.
أعرف أني أقوم بعزف منفرد على وتر التفاؤل، لكنني لن أغير نغماتي على الرغم من الحزن الساكن في النفوس والأرواح ورغم الموت المتربص بنا جميعاً وينتظرنا على مفارق الطرق، في الشوارع والساحات والمتاجر والمسارح، وحتى في أسرتنا وداخل مخادعنا.
رغم اليأس الذي عشش في رؤوس البعض، وحاولوا أن يجعلوه بضاعتنا وأسلوب حياتنا وطريق استسلامنا.
رغم الصقيع في القلوب والعقول التي أصابها الجفاف واليباب، رغم كل ما جرى ويجري معنا، حولنا.. بيننا.. سنظل نغني للحياة والحب والشعر والرسم والموسيقا.
أنحت التماثيل الغارقة في بحر الجمال من أحلام وردية مزركشة بأحجار كريمة تمثل كل الألوان فيكاد التمثال ينطق فرحاً بحلاوة الإبداع، تزهر الأشجار في فصل الصقيع وتغتسل الفراشات في قوارير العطر، وتسبح الأسماك في بحيرة من سحر وخيال، كل ذلك يصبح حقيقة عندما نؤمن بأن الغد الآتي على صهوة الأمل سيكون أحلى، وأننا قادمون إلى الفرح الذي ضاع، وسنجده في القادم من الأيام،.. أنها فقط، لحظة انتظار، وإن طالت.
إذا كنا قادرين على صنع الفرح حتى من العدم، فلماذا نستدعي ونجتر الأحزان؟ وإذا كان بمقدورنا أن نشعل الشموع، فلماذا نفضل العيش في العتم والترويج للظلمة وتكريسها كأسلوب حياة؟
العالم واسع والخيارات كثيرة والحب أسهل من صنع الكراهية والبغضاء، ودرب المحبة معبّد بالأحاسيس والمشاعر الإنسانية الخلاّقة،.. بعكس زواريب الحقد المزروعة بالأشواك والحجارة والألغام.
إنها دعوة إلى واحات الحب في صحارى غطت المساحات الشاسعة من الأرض والنفوس، وأظن أن الكثيرين سيلبون النداء.
نحن عشق الحياة لن توقفنا يد الموت الغادرة، ولن تزحزح أفكار من عصور الظلام إيماننا وتفاؤلنا بأن الغد المشرق ينتظرنا على أول مفرق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن