قضايا وآراء

بين المباحثات الروسية-الأميركية وماحدث في تركيا

| مازن بلال 

كانت أخبار المحاولة الانقلابية في تركيا تُسابق المؤتمر الصحفي لوزيري الخارجية الروسي والأميركي، وعلى الرغم من أن مباحثات لافروف وكيري بدت وكأنها «إدارة للتوافقات» والبحث عن اختراقات سياسية ولو بالحد الأدنى، لكنها تكمل مشهداً إقليمياً ظهر جانب منه في أنقرة عبر «التمرد العسكري»، فالاضطراب هو الأساس بغض النظر عن نتائج التمرد الذي كشف هشاشة الوضع الإقليمي وليس التركي حصراً.
عملياً يمكن الربط بين المباحثات الروسية– الأميركية وما حدث في تركيا ضمن ثلاثة مؤشرات سياسية:
– الأول يرتبط بالطبيعة الاستفزازية للحدث في المنطقة، فالتمرد العسكري التركي كان مربكاً لأبعد الحدود لأنه جاء من خارج سياق الحدث، ورسم العديد من الاحتمالات «غير المتوقعة» التي يمكنها فرض وقائع جديدة.
بالتأكيد ما جرى في تركيا ليس أمراً مرتبطاً بالضرورة بالأزمة السورية، لكنه مؤثر بشكل فعال على التوازن الإقليمي، وعلى دور أنقرة في سورية الذي يعتبر أساسياً عند البحث في مسألة الحرب على الإرهاب، فهناك صراع جيوبولتيكي على أكراد سورية يقابله صراع دولي – إستراتيجي عميق على دور تركيا ضمن التوافقات الإقليمية والدولية.
– المؤشر الثاني يرتبط بعدم الوضوح في طبيعة التوافقات الأميركية– الروسية، فبعد محادثات «ماراتونية» يتحدث كيري عن الاتفاقات التي «يمكن» أن تظهر في الوقت القريب، متجاهلاً طبيعة المرحلة الأميركية الحرجة قبيل الانتخابات، وربما بالغموض نفسه ظهر بيان التمرد التركي الذي ترك الباب مفتوحاً أمام احتمالات غير حاسمة.
المقاربة بين مباحثات كيري– لافروف والاضطراب التركي ليست ترابطاً، لكنها تكشف نوع المشهد السياسي الإقليمي الذي لا يحمل أي توازن واضح، فالصراع هو العامل الوحيد الذي يتضح أنه الأكثر تأثيراً في مجمل التطورات.
– ثالثاً: إن عدم وجود إرادة تحول حقيقي هو العنوان الأقوى سواء في مباحثات موسكو أو في التمرد التركي، فكل الدوائر السياسية تعرف تماماً عدم إمكانية الحسم لأنه مرتبط بتعقيد دولي على الأرض السورية؛ انتقل مؤخراً إلى تركيا بفعل المعارك ضد الأكراد والعمليات الإرهابية المتكررة وأخيراً المحاولة الانقلابية الفاشلة.
عدم تبلور إرادة دولية وإقليمية في حسم معركة الإرهاب في سورية تحديداً مرده غياب التصور الدولي لمستقبل شرقي المتوسط، وفي الوقت نفسه فإن الإستراتيجية التركية التي تبحث عن خط جديد فتحت احتمالات ظهور سياقات غير متوقعة، فالتمرد العسكري هو من ضمن تكوين «النظام التركي»، وهو ضمن اضطراب مستمر لا يمكن التنبؤ بمساره لأنه يفرز مسارات للحدث بشكل مفاجئ؛ مثل إسقاط الطائرة الروسية واستقالة أحمد داوود أوغلو والعملية في مطار أتاتورك.
هناك رهانات دولية متناقضة على تركيا التي لم يعد مهما ارتباطها بحلف شمال الأطلسي، فالمعركة على الحدود السورية– التركية تتجاوز الأحلاف العسكرية الكلاسيكية؛ وهي معركة على خلق تحولات حادة في الوظائف لدول المنطقة، ومن هذه النقطة تحديداً سنواجه صعوبات في فهم مآل العلاقات الإقليمية والدولية، أو حتى معرفة نوعية الحدث القادم في تركيا أو انعكاساته على الحدث السوري.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن