قضايا وآراء

إسرائيل وتركيا والمنطقة والسيناريوهات المحتملة

| تحسين الحلبي 

لا أحد يشك بأن إسرائيل تفضل دوماً أن تسبح في مياه التناقضات والانقسامات التي تشارك في توليدها في المنطقة وهي تجد أن الدولة الوحيدة من بين الدول غير العربية المجاورة للدول العربية التي حافظت على العلاقات الطبيعية معها هي تركيا بصفتها عضو حلف الأطلسي وبصفتها قاعدة للتحالف الأميركي وجزءاً من الملعب الأميركي في المنطقة.
وكانت هذه العلاقات قد ازدادت متانتها مع الحكومات التركية في بداية الثمانينيات حين فقدت إسرائيل حليفها شاه إيران وتحولت إيران إلى ألد الأعداء لإسرائيل بعد ثورة الخميني.. ففي الثمانينيات لم يعد لإسرائيل سوى تركيا من الدول غير العربية المجاورة لسورية والعراق واستمرت هذه العلاقات بعد اتفاقية كامب ديفيد وأوسلو وتوطدت بين مختلف الحكومات التركية والإسرائيلية.
وفي يومنا هذا وفي أعقاب الانقلاب الفاشل على حكومة أردوغان ربما تجد إسرائيل أنها الرابح الأكبر في المنطقة مهما كانت نتيجة هذا الانقلاب خصوصاً بعد أن جرى توقيع المصالحة بين أنقرة وتل أبيب قبل أسابيع قليلة وعودة السفير الإسرائيلي إلى أنقرة والسفير التركي إلى تل أبيب فإسرائيل صنعت قواعد لعبة في المنطقة تجعلها قادرة على تحقيق مصالحها من تركيا لو نجح الانقلاب ولو فشل.
ولذلك كانت إسرائيل مطمئنة بعد مقتل السادات واستلام حسني مبارك رئاسة مصر واستمر استقرار علاقاتها الرسمية مع مصر حتى بعد استقالة مبارك وانتقال الرئاسة لمرسي ثم انتقالها إلى الرئيس (السيسي).. ولذلك يرى المسؤولون في إسرائيل أن هذه النتيجة لم تكن ولا يمكن أن تكون في المستقبل بفضل قوة إسرائيل وقدرتها بل لأن الولايات المتحدة هي التي تتولى وضع أهم قواعد العلاقات بين الدول الصديقة لها والمتحالفة معها في المنطقة.. وما بقيت أنقرة وأي دولة أخرى من حلفاء واشنطن جزءاً من ساحة الملعب الأميركي فإن إسرائيل لا تخشى أي خطر يهددها أو يعرض مصالحها للضرر… فمنذ عام (1979) كانت إسرائيل وما تزال حتى هذه اللحظة ترى في سورية أكبر الأخطار التي تهدد وجودها بعد اتفاقية كامب ديفيد ثم انضمت إلى هذا النوع من الخطر على إسرائيل إيران بعد سقوط الشاه وبقيت الدولتان في ساحة ملعب المناهضين للهيمنة الأميركية وللاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، وحافظتا على هذه السياسة حتى حين كانتا تتقاربان مع تركيا في سنوات ما قبل الأزمة السورية ومع دول عربية أخرى محسوبة على الملعب الأميركي.. وكانتا توظفان كل هذه العلاقات من دون التنازل عن السياسة المستقلة حتى بعد انتهاء وجود الاتحاد السوفييتي، لكن المنطقة أصبحت الآن بعد أحداث تركيا على عتبة مرحلة يشير فيها عدد من مراكز الأبحاث الإسرائيلية والأوروبية إلى الخيارات والسيناريوهات المحتملة التالية في السياسة الخارجية:
1- إما انتقال أردوغان إلى سياسة يتقارب فيها مع موسكو وخصوصاً بعد أن رأى الجانبان الإسراع في عقد الاجتماع المقرر في أيلول وتقريبه إلى شهر آب المقبل ومن شأن هذا التقارب وضمن قواعده الروسية أن يؤدي إلى تخفيض أشكال التدخل التركي في سورية إلى أدنى مستوياته خلال الأشهر المقبلة.
2- وإما تزايد الاهتمام الأوروبي بأردوغان على حساب حرارة العلاقة الأميركية التركية لأن أوروبا تخشى من ارتدادات ومضاعفات الانقلاب الفاشل على مستقبل دور تركيا في الأطلسي وفي حاجتها لتركيا في ظل الظروف الراهنة.
3- وإما تزايد الخلاف بين أنقرة والقاهرة وعجز الرياض عن التقريب بين العاصمتين وخسارتها لفكرة قيادة محور عربي إسلامي أوسع من تحالف الخليج.
ولذلك تحاول إسرائيل الآن تتبع كل ما يمكن أن تحمله تطورات الوضع التركي لكي تظل المستفيدة من أي سياسة تركية مقبلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن