رياضة

كوبا أميركا – تشيلي 2015… عندما ترقص الكرة طرباً…بين واقع سيطرة الثلاثي الكبير وأحلام الصغار

خالد عرنوس: 

لم يكد ينتهي موسم الكرة الأوروبي بما فيه من متعة وإثارة حتى جاء موعد آخر من الحماسة وفنون كرة القدم حيث تخوض بعض منتخبات العالم أدواراً تمهيدية من التصفيات المؤهلة إلى مونديال روسيا 2018 في حين تدخل منتخبات أميركا الجنوبية فصلاً جديداً من بطولة كوبا أميركا (أقدم بطولة للقارات) بنسختها رقم الـ44 والتي تستضيفها تشيلي بداية من 11/6 ولغاية 4/7 بمشاركة منتخبات الكونميبول العشرة إضافة لمنتخبي المكسيك وجامايكا، ويجمع الخبراء على اعتبار بطولة أوروبا للمنتخبات والتي باتت تعرف بـ«يورو» على أنها البطولة الأقوى على صعيد البطولات القارية إلا أن كوبا أميركا تتميز بكونها بطولة الفن والقوة حيث يجتمع أصحاب الفن الرفيع في كل من البرازيل والأرجنتين والأورغواي وباقي المنتخبات الأخرى لتقديم وجبات كروية تمتع الأنظار وتخفق لها القلوب وتنتزع الآهات.

 

قصة البطولة الأعرق
دخلت كرة القدم إلى القسم الجنـوبي من القارة الأميركية في وقت مبكر فشهدت الأرجنتين أول مباراة بين عمال السكك الحديدية (البريطانيون) في عام 1867 ومع نهاية القرن التاسع عشر كانت اللعبة قد انتشرت في كل أزقة المدن الكبيرة في البرازيل وبيونس آيرس ومونتيفيديو وغيرها، ومع بداية القرن العشرين جرت أول مباراة دولية بين الأرجنتين والبرازيل، وفي عام 1910 أقام الاتحاد الأرجنتيني بطولة دولية احتفالاً بمرور مئة عام على ثورة التحرير وسميت بطولة (سنتيناريو) وشارك فيها إلى جانب منتخب البلاد منتخبا تشيلي والأورغواي ويعتبر البعض هذه البطولــة بمنـزلــة النســخة الأولى لكوبا أميركا إلا أنها لم تعتمد على اعتبار إن اتحاد الكونميبول لم يكن قد ظهر بعد، بعدها بست سنوات اتفق مسؤولو هذه المنتخبات إلى جانب البرازيل على إقامة بطولة أميركا الجنوبية للمنتخبات في صيف 1916 على الأراضي الأرجنتينية، وخلال البطولة اتفـق على تأســيس اتحــاد الكونميبـــول الـــذي أقــر إقامــة البطــولة سنــوياً، إلا أن البطـولة سرعان ما ألغيت نسختها الثالثــة المقــررة في ريو دي جانيرو بسبب وباء الإنفلــونزا، وعادت في العام التالي لتستمر سنوياً حتى عام 1927.

وافدون وانسحابات
وقد شهدت هذه الفترة انضمام البارغواي عام 1922 ثم بوليفيا عام 1926 والبيرو في العام التالي لكن الحدث الأهم في هذه الأثناء كان مقاطعة البرازيل للبطولة وقد استمر حتى نسخة 1935، حيث أقيمت النسخة الثانية عشرة عام 1929 ثم النسخة التالية بعد ست سنوات ومن ثم أقر الاتحاد إقامة البطولة كل عامين وشهدت نسخة 1937 عودة أبناء السامبا وزاد عدد المشاركين بانضمام الإكوادور، وعادت البطولة إلى التخبط تنظيمياً فأقيمت 6 نسخ في عقد الأربعينيات ومثلها في الخمسينيات والطريف أن نسختين أقيمتا في عام 1959، الأولى خلال الربيع في الأرجنتين والثانية أواخر العام في الإكوادور.
تخبط وسوء إدارة
ثم غابت البطولة 4 سنوات ولم تجر سوى مرتين في الستينيات لتغيب 8 سنوات كاملة قبل أن تنظم بنظام جديد (ذهاب وإياب) دون بلد منظم للنهائيات بمشاركة 9 منتخبات في دور أول وينضم بطل النسخة السابقة إلى نصف النهائي وجرت 3 نسخ حسب هذا النظام أعوام 1975 و1979 و1983.
وعادت البطولة إلى الشكل الأمثل عام 1987 فنظمت الأرجنتين تلك النهائيات بمشاركة المنتخبات العشرة المنضوية تحت لواء الكونميبول وقد قسمت على مجموعتين لتعود البطولة كل عامين على أن تقام في الدول العشر حسب التسلسل الأبجدي، وشهدت البطولة التغيير الأهم بدخول منتخبين من خارج الكونميبول واستمرت كذلك حتى نسخة 2001، وعادت الأمور إلى التخبط فأقيمت نسخة البيرو عام 2004 ثم أقر الاتحاد المنظم إقامة البطولة منذ عام 2007 كل أربع سنوات مرة، وستقام نسخة استثنائية العام القادم بمناسبة 100 عام على تأسيسها، حيث تستضيفها استثناءً الولايات المتحدة.

أسباب ومسببات
منذ البدايات أخذت المنافسة على البطولة منحى حاداً أدى إلى الكثير من التناحر والمشاكل بين المنتخبات على أرض الملعب والاتحادات المحلية في المكاتب فقد أدت المنافسة بين الأرجنتين والأورغواي إلى غياب البطولة مطلع الثلاثينيات وآثرت البرازيل الانسحاب فغابت عن جل بطولات العشرينيات، ولم تعط البرازيل (خاصة) البطولة الاهتمام الكبير طوال الخمسينيات والستينيات فشاركت بمعظمها بالصف الثاني.
وأثرت بطولات المونديال وكذلك بطولة الليبرتادوريس في مسار البطولة ولا ننسى أحداث الشغب التي تخللت بعض المباريات وتسبب فيها اللاعبون وزادها تدخل الجماهير في الكثير من الأحيان.

سادة العالم
في أصقاع العالم يقر عشاق وخبراء كرة القدم بسيادة البرازيل (بطلة العالم 5 مرات) إلا في أميركا الجنوبية حيث عمالقة الأرجنتين والأورغواي أبطال العالم الأوائل عبر كوبا أميركا والأولمبياد، ولا يقر أنصار السيليستي والألبيسيلستي بتفوق السيليساو ما دام فريقاهما متفوقين في بطولتهم.
فقد استطاع الفريقان الأرجنتيني والأورغوياني السيطرة مبكراً على مقدراتها حتى إن المنتخب البرازيلي لم يتوج باللقب سوى ثلاث مرات حتى نهاية الثمانينيات، وشهدت بطولة 1987 تقدم السيليستي بـ13 لقباً مقابل 12 لمنتخب التانغو الذي استطاع قلب الكفة لمصلحته بتتويجه مرتين متتاليتين 1991 و1993 للمرة الأخيرة، وتعادل الفريقان في نسخة 1995 التي حملت الأورغواي اللقب الـ14 وفي النسخة الأخيرة وعلى الأراضي الأرجنتينية بالذات كسب رفاق فورلان وسواريز لقبهم الـ15 الذي رجح كفتهم مجدداً في زعامة البطولة.
وبالعودة إلى البرازيل فقد تسيد السيليساو البطولة في ربع القرن الأخير من تاريخ البطولة حيث توج 5 مرات رفعت رصيد البرازيل إلى 8 ألقاب، وتوج منتخب البارغواي باللقب مرتين ومثله البيرو مرة واحدة لكل من بوليفيا وكولومبيا، وبقيت منتخبات تشيلي والإكوادور وفنزويلا من دون أي لقب.

تشيلي 2015
تحمل النسخة التي تنطلق الخميس القادم الرقم 44 وكان مقرراً لها البرازيل حسب ترتيب الحروف الأبجدية إلا أن إقامة مونديال 2014 ثم أولمبياد الريو 2016 نقل البطولة إلى أرض تشيلي التي سبق لها تنظيم البطولة 6 مرات سابقة وتتقدمها فقط الأرجنتين والأورغواي في هذا المجال بواقع 9 و7 مرات على التوالي.
وتأخذ البطولة اهتماماً كبيراً ولاسيما من العملاقين الأرجنتيني والبرازيلي بعد سقوط الأخير المذل في المونديال وأيضاً فشل الأول بالخطوة الأخيرة خلاله واكتفائه بالوصافة، ويعتبر محبو التانغو أن مجرد عدم فوز فريقهم بقيادة ميسي نجم العالم الأول بالكأس وصمة عار وهو الذي فشل بوجود البرغوث خلال نسختي 2007 و2011 وشكل سقوط الفريق في النسخة الماضية في بيونس آيرس مفاجأة كبيرة، وينتظر عشاق الألبيسيليستي تحليق ساحرهم في سماء تشيلي وخاصة أنه سيطير بأجنحة قوية تتمثل بأغويرو وتيفيز ولافيزي وباستوري وماسكيرانو الذين ازدادوا خبرة ولمعاناً عن نسخة 2011 التي حضروها جميعاً.
أما منتخب السامبا فيستجدي التعويض عن خسارة اللقب يومها وخاصة بعد خروجه من مونديال 2014 خالي الوفاض، ويعتبر أنصار السيليساو عودة المدرب دونغا ووجود نيمار وبعض النجوم المتألقين على الساحة العالمية اليوم سببين كافيين للتفكير باللقب.

المهمة الأصعب
الحفاظ على القمة أصعب من الوصول إليها، هذا الأمر يجعل مهمة منتخب الأورغواي في الاحتفاظ بلقبه حلماً ولاسيما بعد اعتزال فورلان وغياب سواريز القسري وكذلك عدد من اللاعبين الذين لعبوا تحت إمرة المدرب تاباريز يومها مثل كواتس وإبرو ، وشكل فوز السيلستي في 2011 مفاجأة سارة لعشاقه الذين لا يعترفون بعراقة الأرجنتين ولا بسيادة البرازيل لكنهم مقتنعون تماماً بحظوظهم القليلة في البطولة.
وبين سيادة هذا الثلاثي وترشيحات المراقبين فإن المحايدين وأنصار المنتخبات الأخرى تأمل برؤية بطل جديد، ورغم قوة مثلث الرعب وخاصة التانغو الأرجنتيني إلا أن هناك من يرى المنتخب الكولومبي نداً قادراً على الصعود إلى منصة التتويج بوجود مثلث رعب هجومي لا يقل عن ثلاثي التانغو، فيشكل حضور كارلوس باكا ورادوميل فالكاو ومن ورائهما جيمس رودريغيز قوة هجومية لا يستهان بها ولاسيما أنهم مدعومون بجوان كوادرادو وجاكسون مارتينيز وخوان زونيغا ويقودهم المدرب الأرجنتيني الخبير خوسيه بيكرمان الذي صرح بأن طموح فريقه يصل إلى أبعد مدى ممكن.

آمال كبيرة
ووسط حشد كبير من النجوم يبدو منتخب الدولة المضيفة في موقف صعب إلا أنه يبقى مرشحاً لحضور مربع الكبار ومن ثم المنافسة على اللقب الذي لم يدخل خزائن الاتحاد التشيلياني على الرغم من أنه أحد أربعة مؤسسين للبطولة.
ويحمل المنتخب المعروف باللاروخا الذي يقوده المدرب الأرجنتيني خورخي سامباولي آمالاً عريضة للظفر بالكأس الأولى بوجود أليكسيس سانشيز وإدواردو فارغاس وخورخي فالديفيا وأرتور فيدال وغاري ميديل وديفيد بيزارو وماوريسيو إيسلا ومن ورائهم جميعاً حارس مرمى برشلونة المتألق كلاوديو برافو.
ولا تدخل المنتخبات الأخرى بورصة المرشحين للقب وخاصة في ظل وجود الثلاثي الكبير وفريق الدولة المضيفة إلا أن وصول منتخبات فنزويلا والبيرو والباراغواي إلى مربع الكبار عام 2011 دفعة واحدة يشكل حافزاً لها وأيضاً لمنتخبات الإكوادور والمكسيك وجامايكا.

المجموعات
الأولى: تشيلي، المكسيك، الإكوادور، بوليفيا.
الثانية: الأرجنتين، الأورغواي، الباراغواي، جامايكا.
الثالثة: البرازيل، كولومبيا، البيرو، فنزويلا.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن