الأولى

«المشاركة الحقيقية»: فخ الحوار

| بيروت – محمد عبيد 

تتوهم الولايات المتحدة الأميركية أن اتباع سياسة التنازل التدريجي في مفاوضاتها مع الطرف الروسي حول الأزمة في سورية يمكن أن تدفع موسكو بالمقابل إلى تنازلات مشابهة تسمح لإدارة أوباما في ما تبقى من ولايتها استدراك إخفاق سياسة اللا موقف التي اعتمدتها منذ عام 2011.
فواشنطن التي راهنت على استنزاف قدرات الدولة السورية العسكرية والأمنية والاقتصادية وتحول هذه الدولة إلى عبء ثقيل على الحلفاء وفي مقدمهم إيران وحزب اللـه المستهدفَان المباشران من قبلها، وجدت أن دعمها وتغطيتها لحلفائها الإقليميين المتورطين في الحرب على سورية كالسعودية وتركيا وتحييدها لتنظيمات إرهابية أساسية كجبهة النصرة وجيش الفتح وغيرهما، كل ذلك لم ينفعها في فرض شروطها لتحقيق وصفتها السياسية المُعدة لسورية والمستنسخة من سيناريوهات تونسية ومصرية وليبية والمختصرة بأمرين أساسيين: تنحي الرئيس والانتقال السياسي!
ولتحقيق هذين الأمرين حمل رئيس الدبلوماسية الأميركية جون كيري خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو عروضاً ظنها مغرية ولكنها مُفخخة تبدأ بالاستعداد للشراكة العسكرية الكاملة ضد جبهة النصرة إضافة إلى تنظيم «داعش» لتصل إلى تأسيس مقر قيادة مشتركة في العاصمة الأردنية عمان التي تتولى إدارة الهجمات الجوية والعمليات الميدانية أيضاً، وبالأخص منها تحديد مناطق انتشار التنظيمين الإرهابيين المذكورين التي من المفترض أن يكون محظوراً على الطيران الحربي السوري استهدافها!
وبموازاة هذا العرض الذي لقي اعتراضاً شديداً من مسؤولي وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) باعتبار أن هذه الخطوة ستدفع موسكو إلى استنساخ هذا التدبير والمطالبة باعتماده لمعالجة أزمات إقليمية أو دولية مماثلة ما يمنحها شراكة عملية في ملفات كانت حكراً على واشنطن وحدها، حركت الدبلوماسية الأميركية المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في سورية ستافان دي مستورا وفريق عمله تجاه العاصمتين السورية والإيرانية لاستكشاف إمكانية تحديد موعد جديد لا يتجاوز النصف الثاني من شهر آب الحالي لإعادة إطلاق الحوار السوري- السوري كما يُعَبَر عنه.
على هذا الأساس، ترى مصادر دبلوماسية غربية أن الاستعجال الأميركي المفاجئ لعقد جلسات لهذا الحوار ينطلق من موقف أميركي مُتخذ ضمناً باعتبار أن هذه الجلسات هي الفرصة الأخيرة لصياغة رؤية أو وثيقة أو حتى ورقة تضع الأزمة في سورية على مسار الحل السياسي وفق أجندة زمنية تلزم الأطراف كافة بمن فيها تلك الدولية والإقليمية. كما تؤكد هذه المصادر أنه في حال لم تتحقق في هذه الجلسات الأهداف التي أرادتها واشنطن أو التي تعتبر أنها تفاهمت أو تشاورت مع موسكو حولها، فإنها مع بدايات شهر أيلول المقبل ستكون في حلٍ من أي مسؤولية أو التزام وستترك الأمور على ما هي عليه.
في هذا الحين، تنشغل الأوساط الدبلوماسية في دمشق وطهران معاً في استكشاف خلفيات الحركة الأميركية المستجدة بما يتجاوز مسألة نفاد وقت إدارة أوباما الحالية ومفاعيل سياساتها الخارجية. ذلك أن ما تخفيه واشنطن من طرحٍ متوقعٍ على طاولة الحوار تحت عنوان «المشاركة الحقيقية» كبديل شكلي عن الأمرين الأساسيين المذكورين آنفاً «تنحي الرئيس والانتقال السياسي» يوصل إلى النتيجة ذاتها. فالمشاركة الحقيقية وفق توصيف الدبلوماسية الأممية ومن خلفها الأميركية تعني انتقالاً تسليمياً للسلطة التنفيذية أي الحكومة التي من المفترض أن يتم التوافق على تسميتها وتشكيلها أثناء جلسات الحوار المزمع عقدها، والتي يستوجب تمتعها بصلاحيات استثنائية مسحوبة من صلاحيات الرئيس الدستورية كي يتم اعتبارها منصة للمشاركة الحقيقية!
تصطدم النيات الأميركية دائماً بالوقائع الميدانية التي شكلت حلب عنوانها المنتصر وإن طال أمد حسمها قليلاً وبالوقائع السياسية التي ستظهر مع استكمال الاستدارة التركية نحو تركيا الداخل وبالانحسار الكبير للأوهام السعودية الذي قاد ممثليها إلى كيان العدو الإسرائيلي، والأهم بثقة المفاوض السوري بحجته ومنطقه السيادي والوطني مقابل أطراف «سورية» تحمل أسماء عواصم أخرى لوفودها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن