قضايا وآراء

الجزيرة السورية.. نقطة اشتباك

| مازن بلال 

لم يكن مستغرباً اندلاع المعارك في مدينة الحسكة، فما يسمى «قوات سورية الديمقراطية» تحاول رسم «تموضع» لها على خريطة الصراع، في وقت تسعى فيه واشنطن إلى خلق جبهة توازي جبهة حلب، وأظهرت تطورات المعارك في منبج ثم التوجه نحو مدينة الباب تزامناً واضحاً مع «الثقل» الروسي – الإيراني في معارك مدينة حلب، وتعطي الخريطة الميدانية تشكيلا واضحاً لعملية «ملء الفراغ» الذي يخلفه انسحاب داعش أو «جيش الفتح» من المناطق التي كان موجوداً فيها، والتوازن الذي تبحث عنه الولايات المتحدة سيكون أقرب إلى الشرق وبشكل يساعدها في معركة «الموصل» المؤجلة، فهل يمكن لقوات «سورية الديمقراطية» بمكونها الكردي تأمين هذه الجغرافية؟
معارك مدينة الحسكة توضح أن الإدارة الأميركية تملك «بعض الرهانات» على التكوين الديمغرافي للجزيرة السورية، وإنشاء خط من مدينة الباب وصولا إلى الحسكة سيؤمن أوراق ضغط سياسي تجاه أي عملية تسوية، وسيؤدي أيضاً إلى عزل محاربة الإرهاب في العراق عن أي تأثير روسي مستقبلي، ولكن هذه «الرهانات» الأميركية تقف على أمرين أساسيين:
– الأول تأمين سيناريو للانتشار الكردي لا يثير على الأقل قلق تركيا؛ إلا إذا كانت الولايات المتحدة تبحث عن تحجيم كبير للدور التركي، فتحرك قوات «سورية الديمقراطية» يظهر على خريطة من غضب أنقرة وتهديداتها التي بقيت نوعاً من صيحات في الهواء.
كسرت الولايات المتحدة الخطوط الحمر التركية، وهي ماضية في هذا الأمر في حال لم يظهر أي سيناريو جديد للأزمة السورية، وأدى هذا الأمر إلى تبدلات طفيفة في خريطة التحالفات الإقليمية، وإلى وضع أنقرة في مساحة إرباك حقيقية، فهي غير قادرة على خلق انعطافة قوية تجاه الأزمة السورية، وفي الوقت نفسه تواجه أزمة حادة في الانتشار الكردي على طول حدودها الجنوبية، وربما يدفعها هذا الوضع إلى حسابات جديدة متعلقة بالأكراد المبعدين عن الساحة السياسية التركية، فالمسألة ترتبط بمدى تمسك واشنطن بتبديل الخريطة السياسية بقوة عبر الورقة الكردية، وبقدرة دول الإقليم على مجابهة ما يجري.
– الثاني مرتبط بطبيعة الرد الروسي على أي تحول يمكن أن يحدث في الجزيرة السورية، فاستخدام قاعدة همدان ليس بعيداً عن هذا الموضوع، ونظرة موسكو إلى الموضوع الكردي مختلفة نوعياً عن المقاربات الأميركية.
لم تبدِ روسيا معارضة لمسألة الفيدرالية في سورية، وتركت الباب مفتوحاً للحوارات السورية في هذا الموضوع، لكن «الفيدرالية» بالنسبة لروسيا مرتبطة أولاً بالحل السوري – السوري وفق تصريحات مسؤوليها، والأمر الثاني ألا يغير هذا الحل من التكوين الجيوستراتيجي للمنطقة، فهناك مخاطرة بالنسبة لموسكو في مسألة الفدرلة المبنية على معامل القوة المطلقة؛ حيث تظهر مناطق كردية «مفتتة» لدول الإقليم ابتداء من تركيا وانتهاء بإيران.
الصدام اليوم هو داخل التحفظات لكل من موسكو وواشنطن على المشروع الكردي، فواشنطن تراه بوابة لشرق أوسط مختلف يمكّن الأكراد من تقرير مصيرهم ضمن كيان مرن لأبعد الحدود، فهو أقل من دولة ذات سيادة وأكثر من إقليم بحكم ذاتي، ومثل هذا التكوين السياسي تراه واشنطن وفق حالة وظيفية تمنع أي تحالفات إقليمية قوية كتلك التي تبحث عنها كل من موسكو وطهران.
أما الشرط الروسي لأي فيدرالية فهو حالة اندماج كردي ضمن المنظومة القادمة للشرق الأوسط، حيث لا تؤثر على بنيته العامة وتشكل توازناً مختلفاً لما كانت عليه المنطقة خلال العقود الماضية، وتصادم الولايات المتحدة مع روسيا يظهر انطلاقاً من المعارك الجارية اليوم على الأرض، وهو ما سيؤخر أي حل سياسي في المستقبل القريب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن