قضايا وآراء

النظام الاقتصادي العالمي والسباق إلى البيت الأبيض

| د. قحطان السيوفي 

السباق إلى البيت الأبيض، يظهر مواقف متباينة لمرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون وخصمها الجمهوري ترامب، تجاه القضايا الدولية…. اختلاف الأجندة الاقتصادية لهيلاري وترامب يترك تأثيرا في الاقتصاد الدولي.. تانيا تشاتر أستاذة الاقتصاد في جامعة أكسفورد تعتبر أن الأجندة الاقتصادية للطرفين تعكس صراعا بين المدافعين عن الطبقة المتوسطة والمدافعين عن مصالح كبار رجال الأعمال….
والخلاف الاقتصادي يتجلى في موقف الطرفين من قضية العدالة الاجتماعية والضرائب، كلينتون تطالب بزيادة الحد الأدنى للأجر، وزيادة الضرائب على الأغنياء…
ترامب يريد مزيداً من الخفض الضريبي لمصلحة الأغنياء… البروفسور جورج جانكينز الاستشاري في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، يعتقد أن تأثير الاختلافات الاقتصادية الجذرية بين ترامب وكلينتون تتجاوز في أهميتها وخطورتها الاقتصاد الأميركي لتؤثر تداعياتها في الاقتصاد العالمي…. وأن هناك جوانب اتفاق على معارضة بعض اتفاقات التجارة الحرة… لكنهما يختلفان حول أسباب المعارضة وسبل الحل.
ترامب لا يحبذ التجارة الحرة ويدعم حماية الصناعات الأميركية، حيث يصف المنافسة مع الصين مثلا بأنها منافسة غير عادلة، ورفضه لاتفاقية الشراكة عبر الهادئ والتجارة الحرة لأميركا الشمالية دفعه للاصطدام بغرفة التجارة الأميركية، التي تعتبر أن سياسة ترامب في مجال التجارة ستعود بعواقب وخيمة على الاقتصاد الأميركي، وستؤدي إلى حرب تجارية دولية، وانخفاض في معدل نمو الاقتصاد الدولي، وبالنسبة لكلينتون فإنها تبدي تحفظا فيما يتعلق بتلك الاتفاقيات التجارية الدولية، وتتطلع لإدخال تعديلات على بعضها، فهي تعلم ما يمكن أن تؤدي إليه الحرب التجارية من كوارث اقتصادية دولية.
بالمقابل فإن الخطورة لا تكمن فقط في رؤية ترامب الداعية لمزيد من الحماية الاقتصادية… وإغلاق الأسواق الأميركية أمام السلع الدولية وتحديدا الصينية والمكسيكية، وهو ما سيعزز الأصوات الأوروبية المطالبة بسياسات اقتصادية أكثر انعزالا أيضا، وسيعود الاقتصاد العالمي – إذا ما فاز ترامب- إلى حقبة الثلاثينيات من القرن المنصرم، والأخطر هو موقف ترامب من قضية الديون الأميركية.
قضية الديون بين واشنطن وبكين إذا تم تفجيرها فستؤدي إلى حرب اقتصادية طاحنة، وحرب عملات عنيفة… ترامب تعهد بالخلاص من الديون خلال ثماني سنوات… ولا شك في أن إعادة مناقشة تلك القضية مع السلطات الصينية سيواجه برفض عنيف من الصين، وسيستتبع ذلك ضغطاً أميركياً اقتصادياً وتجاريا بل التحايل عبر التلاعب في سعر صرف الدولار في مواجهة العملات الأخرى لخفض قيمة تلك الديون.
يبدو موقف كلينتون أكثر واقعية بالتصدي لمشكلة الديون، وهي تتفادى الاصطدام بالصين، لأن تداعيات ذلك ستتجاوز العلاقات الثنائية بين البلدين إلى الاقتصاد العالمي كله.
من ناحية أخرى تعد قضية الطاقة… أحد أبرز الخلافات بين هيلاري وترامب، بصورة قد تنعكس على البلدان المنتجة للنفط في الشرق الأوسط.
الدكتورة لورين بروكس المختصة في شؤون الطاقة تعتبر أن رؤية الطرفين ستكون لها تأثيرات قوية في أسواق الطاقة الدولية وتحديدا أسعار النفط والغاز مستقبلا، مضيفة إن وجهة نظر كلينتون تعتمد على خفض اعتماد الاقتصاد الأميركي على الوقود الأحفوري، في المقابل يتبنى ترامب وجهة نظر تقوم على المزيد من عمليات الحفر والتنقيب على آبار النفط والغاز…. إنهما رؤيتان مختلفتان وستكون لهما تداعيات متباينة على أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية، فإذا التزمت هيلاري بتعهداتها فإن ذلك سيؤدي حتما إلى اتخاذ تدابير تعوق إمكانية التوسع في إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة… وهذا تماما عكس ما سيحدث في رؤية ترامب إذ ستؤدي إلى زيادة معدلات الحفر والتنقيب وزيادة الإنتاج الأميركي وتصدير الفائض إلى الأسواق الدولية ومن ثم زيادة المعروض العالمي وانخفاض الأسعار.
باختصار، إنهما رؤيتان متباينتان ولكن حجم الخلافات بينهما يؤكد أن الاقتصاد الأميركي والدولي سيقفان على مفترق طرق… ترامب ينتمي إلى المدرسة الاقتصادية التي ترى أن مصلحة أميركا تكمن في جعل الأثرياء أكثر ثراء… وعدم مساعدة الآخرين اقتصادياً إلا بمقدار ما يحققه ذلك من مصالح مادية ملموسة ومباشرة للولايات المتحدة.
هيلاري بحكم تمرسها في العمل السياسي لثلاثة عقود تدرك أهمية تفوق أميركا الاقتصادي… فلا يمكن أن تختزل الولايات المتحدة داخلياً في تحقيق مصالح الأثرياء للوصول إلى البيت الأبيض… ولا يمكن أن تكون علاقة واشنطن مع العالم قائمة على المزيد من الرسوم الجمركية… إن صراع حزب (الفيل) الجمهوري وحزب (الحمار) الديمقراطي سيضعف مكانة الولايات المتحدة وهيمنتها في العالم… وخاصة مع ظهور القطبية الثنائية المتمثلة بمجموعة (بريكس) وقوتها الاقتصادية والسياسية (الصين، وروسيا..) التي أدت إلى تراجع الهيمنة الأميركية وإضعاف تأثيرها في القرار الاقتصادي الدولي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن