قضايا وآراء

هل الغموض الأميركي ضرورة إضافية.. وإلى أين؟!

| عبد السلام حجاب 

يبدو أن ما عجز عن الإفصاح به الوزير الأميركي كيري أماط عنه لثام الغموض وأزال التلعثم عن النطق به الوزير الروسي لافروف في مؤتمر صحفي محدد العناوين ومحدود الزمن عقداه في ختام محادثات يوم طويل في جنيف، على إيقاع أحداث وتطورات شهدتها الساحة السورية سياسياً وعسكرياً، وما اكتنفها إقليمياً من تحديات بوساطة إرهاب قديم ومستحدث وأجندات مسبقة الصنع، وجدت بالغموض الأميركي والدعم المباشر ملاذاً بنت في ظله حساباتها الهشة، ومن أبرز هذه التطورات والأحداث التي لم يعد يفيد في إخفائها أو اللعب على هوامشها غموض أو تلعثم، ما يلي:
1- نجاح إستراتيجي حققته الحكومة السورية بفضل تضحيات الجيش العربي السوري في إنجاز تسوية مع المسلحين في مدينة داريا، أعادت المدينة إلى حضن الوطن وأقفلت واحدة من العقد التي راهنت عليها التنظيمات الإرهابية ومشغلوها الإقليميون والدوليون منذ نحو أربع سنوات، وقد وصف الوزير لافروف هذا الإنجاز بحضور الوزير كيري بأنه مثال يحتذى به وقابل للتكرار في مناطق مشابهة، وإذا كان هنالك من عتب أبدته المنظمة الدولية بسبب عدم إشراكها في هذا الإنجاز الوطني، فعليها أن تقرأ جيداً في كتاب قدرة السوريين وجيشهم الباسل، رغم أن سيارات المنظمة الدولية كانت موجودة في داريا وشهدت نقل المسلحين وعائلاتهم ومن يريد تسوية وضعه في رتل الحافلات الخضراء سواء باتجاه مراكز الإيواء المؤقتة في حرجلة أو باتجاه إدلب التي اختارها المسلحون وجهة لهم.
2- إجراء تركي مشبوه بتنسيق مع تنظيم داعش الإرهابي وبذريعة كردية هذه المرة، تمثل باختراق الحدود السورية باتجاه مدينة جرابلس السورية وتغطية طيران التحالف الأميركي، لإحلال تنظيمات إرهابية تابعة لنظام أردوغان بدلاً من داعش الإرهابي، وهو الإجراء الذي أدانته الخارجية السورية باعتباره انتهاكاً للسيادة الوطنية وخرقاً فاضحاً للمواثيق والقرارات الدولية، مؤكدة أن من يرد محاربة الإرهاب بصورة جدية، فعليه التنسيق مع حكومة الجمهورية العربية السورية وجيشها الباسل الذي يحارب الإرهاب بلا هوادة منذ سنوات في كل بقعة من الأراضي السورية، وهو الموقف الذي ساندته موسكو وطهران، مطالباً تركيا بضرورة التعاون مع سورية لمحاربة الإرهاب، بل إن الأحاديث والتكهنات المتداولة في ضوء تصريحات المسؤولين الأتراك عن استدارة تركية أو انعطافة تحتاج إلى وقت افتراضي، باتت أقرب إلى حافة السقوط أمام واقع تركي ليس بمقدوره الإفلات من ارتباطاته الأطلسية ومن المنظومة الأمنية الأميركية كما ليس لديه فسحة تمكنه من التحرك السياسي الجدي لتحمل نتائج التزاماته تجاه موسكو وطهران.
3- ما بعث على الأسف والأسى في آن معاً، أن قوى كردية بأوهام انفصالية من الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني –الأسايش- وضعت نفسها، بوعي أو من دون وعي، بتصرف المخططات الأميركية الفاشلة في مدينة الحسكة وخارجها لاصطياد لحظة سياسية على حواف مستنقع الإرهاب الذي تدير واشنطن توجهاته وتفاصيله، من دون أي إدراك لواقع أن تركيا عضو في حلف ناتو وشريك إستراتيجي في المنظومة الأمنية الأميركية الإسرائيلية بحيث جعلت من نفسها شيئاً يشبه بضاعة مسروقة يتم خفيها، وعلناً بيعها وشراؤها في فضاء الاستثمار البراغماتي الأميركي لمشروع الفوضى الدامية بوساطة الإرهاب ما يعني بوضوح أنهم استساغوا الخديعة الأميركية مرتين، مرة بالاستسلام لعملية توريم أحلامهم ومرة بالاعتداء على السوريين بتنوعهم الثقافي والسياسي والاجتماعي، وقد كان الوزير لافروف واضحاً حين أعلن من جنيف أنه اتفق مع كيري على ضرورة استئناف العملية السياسية بمشاركة جميع الأطراف السورية بما في ذلك الأكراد الذين يجب أن يبقوا جزءاً من الدولة السورية، كما لفت كيري إلى أهمية العودة إلى حوار حقيقي في جنيف حول التسوية السياسية في سورية انطلاقاً من استحالة حل الأزمة عسكرياً.
ويمكن القول إنه قد لا يكون متاحاً للوهلة الأولى فهم جميع نقاط ما تم الاتفاق عليه والتفاهم بشأنه في محادثات الوزيرين الروسي لافروف والأميركي كيري، وإذا تم الأخذ بالاعتبار مساحة التعقيدات السياسية والعسكرية في سورية والمنطقة وخارجها التي تحكم الموقف الأميركي فإن جوانب الغموض التي اكتنفت تصريحات كيري خلال المؤتمر الصحفي المشترك تكاد يشي بها ما أعلنه الوزير لافروف بأنه لا يمكن ضمان الحفاظ على اتفاق وقف الأعمال القتالية في سورية من دون الفصل بين المعارضة والإرهابيين مشيراً إلى أنه اتفق مع كيري على آلية محاسبة الأطراف التي تنتهك هذا الاتفاق، وبيّن لافروف أن الجانب الروسي تلقى للمرة الأولى من الجانب الأميركي قائمة بالمجموعات التي انضمت إلى وقف الأعمال القتالية، وأضاف إن موسكو تسعى لمساعدة واشنطن في فصل المعارضين عن جبهة النصرة الإرهابية، وقال كيري مؤكداً أن جبهة النصرة لم تكن جزءاً من نظام وقف الأعمال القتالية في سورية واستهدافها مشروع، وأن تغيير اسمها لا يغير من كونها منظمة إرهابية.
لكن السؤال، هل يبقى الغموض الأميركي ضرورة إضافية في سياق الأحداث والتطورات وإن بات ممكناً قراءة اتجاهات هذه الضرورة في ضوء ملاحظات يمكن استنتاجها من المؤتمر الصحفي المشترك بين الوزيرين وما بدا عليه لافروف من امتلاك لزمام المبادرة ومن بين الملاحظات:
1. استمرار المحادثات قرابة اثنتي عشرة ساعة وصفها كيري بأنها بناءة.
2. الإعلان عن أن لجان الخبراء من الجانبين سوف تقوم باستكمال وضع النقاط على جميع حروف الاتفاقات والتفاهمات التي تم التوصل إليها ولم يعلن عنها تفصيلاً.
3. حضور الميسر الدولي دي ميستورا جانباً من المحادثات ما يشير إلى إمكانية استئناف الحوار السوري في جنيف وما يمكن أن يقرره السوريون من دون تدخل خارجي أو شروط مسبقة.
4. مواجهة العراقيل التي تضعها التنظيمات الإرهابية لعدم الالتزام بإعلان وقف الأعمال القتالية.
5. توفير الشروط لإيصال المساعدات الإنسانية إلى حلب ومناطق أخرى بالتنسيق مع سورية.
لا جدال بأن أقنعة كثيرة سقطت أمام صمود السوريين وانتصارات الجيش العربي السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد، ولا يخفى بأن هناك مشاريع ومخططات لم تستنفد كامل أغراضها العدوانية وهي تسعى إلى تخريب أو تعطيل أي جهد سياسي لإنهاء الحرب على سورية من خلال محاولات أنظمة حكم في السعودية وقطر وتركيا الابتزاز السياسي والرهان على تنظيمات إرهابية تلفظ أنفاسها الأخيرة تحت ضربات الجيش العربي السوري وحلفائه على أسوار حلب وريفها الشمالي والجنوبي بشرقه وغربه وفي مختلف المناطق السورية.
ولكن، على الرغم ذلك تبقى الأفعال وليست الأقوال هي الشاهد والمحك سواء من جهة محاربة الإرهاب من دون انتقائية أو معايير مزدوجة أو في ملاقاة إرادة السوريين الوطنية بالدفاع عن القرار الوطني المستقل وحماية سورية ووحدة أراضيها سياسياً وعسكرياً مهما بلغت التحديات، وإذا كانت استعادة داريا إلى حضن الوطن مثالاً يحتذى به فإن المصالحات الوطنية سياج يحصن إنجازات الجيش العربي السوري في حربه على الإرهاب والنصر الحاسم بات قريباً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن