من دفتر الوطن

كيف تشعر يا أخي؟

| حسن م. يوسف

ينفصل (الموقف) عن صاحبه عندما يتقاضى ثمنه، ولا فرق يذكر، سواء كان ذلك (الموقف) صحيحاً أم خاطئاً، لأن من يتقاض ثمن موقفه يدمج نفسه في كتلة من يدفع له المال. ولهذا لا أتوجه في هذا المقال لمن انغمسوا في تجارة (المواقف) من سياسيين وعسكريين ومثقفين، بل أخاطب أبناء البلد السوريين الذين صبوا مياههم، لهذا السبب أو ذاك، في طاحون الأحداث التي تعصف بوطننا منذ أكثر من خمس سنوات لأنهم كانوا يطمحون لتعزيز الجوانب الإيجابية من واقعنا، والتخلص من جوانبه السلبية، لما فيه خير ورفاه كل أبناء الوطن السوري.
قبل الخوض في الموضوع اسمح لي أيها القارئ العزيز أن أذكرك بأنني عملت نحو نصف قرن في الصحافة السورية، قاومت خلالها إغراءات السفر، المادية والمعنوية، لقناعتي بأن البلدان لا تبنى إلا من داخلها، وقد كتبت آلاف الزوايا النقدية الساخرة في «قوس قزح» و«عقل في الكف» في محاولة مني للقيام بواجبي في الدفاع عن الخير العام وحقوق الناس البسطاء، ولطالما نصحني صحفي كان يعمل في أحد المكاتب الصحفية بألا أحمل السلم بالعرض وهو الآن أحد «المعارضين الأشاوس»! بل إنني صنفت من قبل بعض المسؤولين الذين تجرأت على انتقاد أخطائهم، بين ذوي الألسنة الطويلة، وقد بلغ الانزعاج بأحد رؤساء الحكومات مرة أن قال عن إحدى مقالاتي بأنها لا تخدم سوى «إسرائيل»!
ليس هدفي مما سبق أن «أبروظ» نفسي أو أن أمتدح لكم مسيرتي المهنية، كما أنه ليس في نيتي امتداح خصال أي من الحكومات السورية التي عاصرتها، بل هدفي الأساسي أن أذكركم بأنني أعرف جل سلبيات تلك الحكومات لأنني أمضيت عمري المهني كاملاً في انتقادها، وأنني كنت دائماً ولا أزال معارضاً للخطأ موالياً لسورية.
يعرف أحد أصدقائي السابقين أنني قد رأيت، بعين العقل، ماصرنا إليه الآن قبل انقضاء عام 2011، إذ اعترفت لذلك الصديق السابق في آخر لقاء لنا بوجود أصحاب المظالم الفردية، وبعض القوى التقدمية، المعنية بالمستقبل والتحديث والتطوير فيما كان يسميه حراكاً. لكنني شبهت هؤلاء بحفنة الزيت التي تطفو على وجه الخزان، وأنذرت ذلك الصديق السابق بأن القوى الظلامية هي التي تملأ القسم الأكبر من الخزان، وأن الظروف الدولية تنبئ بأننا سنكون المفعول بنا لا الفاعلين وضحايا ما يجري لنا لا المستفيدين منه.
لست أتوجه بهذه الكلمات لتجار الدم المنتشرين في الفنادق والخنادق، الذين تكمن مصلحتهم في استمرار الحرب، وهم كثر مع الأسف، بل أتوجه بها لأخي المواطن السوري الذي لم يتاجر ولم يهاجر.
كيف تشعر يا أخي؟ أنا لا ألومك إذا لم تجب عن هذه السؤال، فكثيرون يعتقدون أن اللسان في هذا الزمان لا بد أن يلجم كي يصان! لذا سأقول لك كيف أشعر أنا. أعترف لك أنني ممتن لروسيا وإيران ولمقاتلي حزب اللـه لمساندتهم للجندي العربي السوري في الجو وعلى الأرض، لكن قلبي انقبض عندما رأيت الصديق الروسي، رغم ثقتي به، يفاوض الأميركي، على الشأن السوري دون أن يكون أحد من أبناء سورية على الطاولة!
أيها السوري إن الكرامة الوطنية هي مجموعة من التفاصيل، التي قد يبدو بعضها قليل الأهمية لكن غياب أي منها يجرحها.
أيها السوري استيقظ وخذ مصيرك بيدك قبل فوات الأوان. فالذين أوهموك أنهم يريدون تخليصك من مساوئ هذه الحكومة أو تلك، يقومون الآن بنسف أسس الدولة السورية التي ضحى آباؤك وأجدادك بدمائهم دفاعاً عنها.
ترى هل سنستيقظ أم سنترك الفرصة لأعدائنا كي يصلوا نومنا بموتنا؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن