قضايا وآراء

مملكة أم كيس مال؟

| د. بسام أبو عبد الله 

هناك مقولة وقحة لونستون تشرشل مفادها: «إن العرب يستحيل شراؤهم، ولكن من الممكن استئجارهم»، مناسبة ذكر هذه المقولة العنصرية لتشرشل ليس لإثبات عكسها، أو دحضها، ولكن للقول إن الأمر لا يقتصر على العرب وحدهم إذ يمكن بالمال استئجار الفرنسي، والبريطاني، والتركي، والغربي عموماً للكذب، والتدجيل والتضليل وهو ما نقرؤه، ونتابعه في الإعلام الغربي، وما يتسرب بين الفينة والأخرى عن قضايا الشراء، والاستئجار للذمم، والضمائر والعقول.
ينقل موقع (بوندس ريغيرونغ) الألماني تصريحاً على ذمته للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل يقول فيه: «إن المستشارة لا تعرف أحداً في العالم يدافع عن السعودية من دون أخذ الرشوة منها»، لتتابع القول: «من يدعم المملكة فقد حصل على المال من قبل، والذي يبيع أسلحة للسعودية يتلقى ضعف السعر من الأمراء السعوديين».
في الوقت نفسه ينشر كينيث روث المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس ووتش تغريدة على التويتر يقول فيها إن ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يدفع 100 ألف دولار لكل صحفي أجنبي يمتدحه ويكتب عنه (أشياء جيدة)، على حين يضع الصحفيين الذين يرفضون ذلك في (مكانة منبوذة) لأن محمد بن سلمان يريد أن يروج لنفسه في كل مكان باعتباره صاحب الرؤية (الجهنمية) لمستقبل زاهر لمملكة الوهابية بحيث تتحول إلى قوة جاذبة لكل شيء بما فيها (السياحة)، وتوجد مصادر دخل جديدة لا تعتمد على النفط.
استأجر بن سلمان لهذه الغاية شركات علاقات عامة أميركية للترويج لذلك، ومنها وكالة بلومبيرغ الأميركية التي نشرت عنه عدداً كبيراً من المقالات التي تشيد «بعبقريته!!» من عاصفة الحزم التي انتهت إلى عاصفة (كرب – وقتل – وإجرام) ضد الشعب اليمني البطل، إلى الرؤية الاقتصادية الفذة التي تطبق التقشف في الداخل، وتنفق المال على الإرهاب، والإجرام في الخارج.
المملكة الوهابية كما يبدو انتهت مدتها، والمطلوب تجديدها بحيث تصبح قادرة على معاودة خدمة مشاريع أسيادها بطريقة جديدة، ومبتكرة، ويبدو أن هذا الأمر صعب لأننا لسنا أمام مملكة، أو دولة لديها رؤية، وسياسة خارجية، ومبادئ، ونموذج، بل نحن أمام (كيس مال) يتحرك على قدمين، ويوزع الريالات، والدولارات لشراء الذمم، والاستئجار على مبدأ تشرشل، ولكن ليس للعرب فقط، إنما يطول هذا المال أكبر الرؤوس في عواصم الحريات، والديمقراطيات، وحقوق الإنسان المدعاة.
إذا عدنا مثلاً إلى بريطانيا مسقط رأس تشرشل فإننا نتذكر (صفقة اليمامة) التي افتضح فيها أمر قيام بندر بن سلطان برشوة شركات بريطانية من أجل صفقة سلاح، وآنذاك أمر النائب العام البريطاني بالتحقيق في القضية، ولكن القرار السياسي هناك وجه باعتبار القضية (قضية أمن قومي بريطاني)، وتم إغلاق ملف القضية في بلد الحريات، والقضاء النزيه!!
أما فرنسا بلد الثورة الفرنسية، والحريات، فلقد افتضح أمر علاقة رؤسائها من شيراك إلى ساركوزي، ثم هولاند بمال البترودولار السعودي، والقطري حتى تحولت فرنسا إلى ناطق باسم جبهة النصرة، وداعش في سياساتها الخارجية كرمى لأكياس المال وليس الفكر الذي يتدفق من الرياض، أو الدوحة..
قضية شراء الذمم، أو الاستئجار ليست جديدة في عالم السياسة وبين الدول، لأننا لسنا في عالم مثالي، ولن نكون به، إلا أنني عندما أتطرق إلى مملكة آل سعود لا أقصد فقط أنهم الوحيدون الذي يستأجرون، ويشترون، ولكن لأنهم يريدون ستر عوراتهم بالمال، وشراء الذمم، فالسعوديون يريدون إظهار أنفسهم تقاة، ومتدينين، وحماة للإسلام، وهم رمز للفسق، والفجور، وأبعد ما يكونون عن الإسلام، وقيمه، وأخلاقياته، ويريدون القول إنهم مع المظلومين على حد زعمهم في سورية، ولكنهم يقتلون اليمنيين في كل يوم، ويدمرون مقومات حياتهم، ويريدون إظهار أنفسهم أنهم داعمون للحريات، وإرادة الشعوب في سورية، والعراق، واليمن ولكنهم لا يتجرؤون على فعل ذلك في فلسطين، أو حتى في بلدان المشايخ، ومضارب الحريات، وما زالوا يقطعون الرؤوس في الساحات العامة، ويريدون دعم «المعارضات المفترضة» في سورية، وفي الوقت نفسه يقطعون الألسنة في القطيف والرياض ويمنعون أي تغريدة حتى على وسائل التواصل الاجتماعي، ويدعمون حرية الصحافة في البلدان الأخرى، بينما لا يمتلكون حرية ولا صحافة في مضاربهم، ويقدمون كل برامج الفتنة المذهبية ثم يتحدثون عن التقارب بين المذاهب، ويدفعون ببرامج التقشف في السعودية، ثم يغدقون المال على ملذاتهم، وشراء الذمم، والضمائر، ويتحدثون عن الجامعات، والبحث العلمي، بينما لا تجد لديهم باحثاً واحداً في الفيزياء، والكيمياء، والرياضيات، وينشرون معلقات عن النفوذ الإيراني في المنطقة بينما يتآمرون، ويدمرون بلداً عربياً إثر آخر.
دعوني أقل بكل موضوعية بالله عليكم- هل هذه مملكة- أم (كيس مال)؟ الصحيح أنها (كيس مال) لأنه لا قوة في الأرض يمكن لها أن تبرر، وتسوق هذا الفصام السعودي إلا الريال، والدولار، والمرتزقة الذين يتم شراؤهم، أو استئجارهم على مبدأ ونستون (تشرشل) الخبيث.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن