قضايا وآراء

ماذا وراء معارك خلط الأوراق.. وإلى أين؟

| عبد السلام حجاب 

لست بصدد الحديث عن مؤامرة خبيثة متعددة المراحل تدير خيوطها واشنطن تقلّب صفحاتها للنيل من سورية بدبلوماسية ناعمة، وخشنة عند الحاجة، فالوقائع لم تعد تخفي نفسها وإن بدلت تقنياتها الاستخبارية الحديثة بالوسائل والأدوات سواء بخلط الأوراق السياسية والميدانية أو الاستثمار بالإرهاب من حيث الوظيفة والتوقيت بل إن ما يجري فوق الجغرافيا الوطنية السورية وحولها، يتيح لأي مراقب سياسي التأكد من أن الهيستيريا السائدة في الغرب الآن بشأن حلب هي أن الإرهابيين الذين جرى الرهان عليهم ودعمهم سياسياً وعسكرياً بلغوا مرحلة مقلقة من سوء الأوضاع، وأن الجيش السوري يحقق تقدماً. والدول الغربية التي وضعت حسابات تصوراتها الاستعمارية على المحك تشعر أنها تخسر آخر أوراق الإرهاب في سورية ولا سيما بعد عام من الانخراط الجو فضائي الروسي.
وعليه، فإن السؤال المطروح في ربع الساعة الأخيرة من حكم الرئيس الأميركي أوباما، لماذا هذا الزخم من معارك خلط الأوراق، وعدم الرغبة حتى الآن في الانفكاك عن تنظيم جبهة النصرة الإرهابي بعناوينه المختلفة ومشتقاته الإرهابية، بتنفيذ ما يترتب على الجانب الأميركي في اتفاق 9 أيلول الماضي الروسي الأميركي، حتى إن طائرة الوزير كيري تحولت إلى مقر لإدارة حركة الخارجية الأميركية، ثم أين موقع الناخب الأميركي والرأي العام في الغرب عامة في تسويق هذا الكم الهائل من الدماء والدمار في سورية والمنطقة، جراء سياسية المعايير المزدوجة خدمة للكيان الإسرائيلي ومصالح الاستثمار بالإرهاب؟ فإذا كانت المسألة ترتبط بطمس ظهور عالم متعدد الأقطاب فإن الواقع يؤكد أنها معارك فارغة المضمون ولم تعد صالحة للاستخدام السياسي ولاسيما أن الحرب الساخنة خيار تراجع إلى الصفر الحسابي والسياسي، كما أن الاستمرار في تداعيات الحرب الباردة لن تقف آثاره على طرف دون آخر وإن صعدت دول الاتحاد الأوروبي بالعقوبات ضد سورية وروسيا.
ولقد كانت قمة دول بريكس واضحة، فأعلن الرئيس الروسي بوتين «لدينا هدف مشترك بمحاربة الإرهاب وحل الأزمة في سورية سياسياً»، وأكد الوزير لافروف أنه لا بديل من الحل السياسي للأزمة في سورية ويجب استئناف الحوار السوري السوري بجنيف من دون أي محاولات من بعض الأطراف لفرض شروط مسبقة، ولعل إعلان الوزير كيري أنه ليس لدى واشنطن رغبة بخوض حرب في سورية لا يعدو كونه نوعاً من النفاق والابتزاز السياسي، حيث أكد يورودا فكين مندوب روسيا في جنيف «أن التحالف الذي تقوده أميركا يدمر البنى التحتية في سورية ويستهدف المدنيين والجيش السوري».
وليس بعيداً. فإن دور الإرهابيين ودور الغرب واحد في تقويض عيش السوريين وهو ما أكدته الخارجية السورية «أن الاتحاد الأوروبي يفتقر لأدنى درجات المصداقية عندما يتحدث عن الوضع الإنساني في سورية لأنه بدعمه للإرهاب شريك في معاناة السوريين». ولفتت الخارجية الروسية إلى أن سبب تراجع الوضع الإنساني في سورية يعود بشكل كبير إلى الإجراءات القسرية أحادية الجانب المفروضة عليها. وهو ما يسمح بالقول: «ما نفع ثيابكم النظيفة وأنتم لا تطهرون سوى مظهركم الخارجي». ومنطقي أن تتساءل صحيفة الأندبندت البريطانية لماذا يطلق الإعلام الغربي والمسؤولون الغربيون على المدنيين الذين يحاصرهم تنظيم داعش الإرهابي في الموصل العراقية دروعاً بشرية. ولا يطلق على المدنيين الذين تحاصرهم جبهة النصرة الإرهابية في الأحياء الشرقية من مدينة حلب أنهم دروع بشرية!؟ وتشارك الأمم المتحدة والمبعوث الدولي دي ميستورا في ممارسة هذه السياسة المشبوهة. وكأنه أصبح التماهي مع الإرهاب وداعميه جزءاً من سياسة المنظمة الدولية. وانعكاساً غير مبرر أخلاقياً لسياسة أميركية وأوروبية لمواصلة الحرب على سورية. وقد دعت زاخاروفا المتحدثة باسم الخارجية الروسية الدول التي تمتلك تأثيراً في المعارضة المسلحة والإرهابيين في سورية للضغط عليهم حتى لا يعيقوا العمليات الإنسانية في حلب. كما حذّرت الخارجية الروسية من أن هناك خططاً لبعض الأطراف في التحالف الأميركي في إشارة إلى السعودية وقطر وتركيا، لتوجيه إرهابيي داعش الفارين من الموصل إلى سورية واصفة هذا السلوك الإرهابي بالجريمة البشعة. وكانت أكدت الخارجية السورية أن الحكومة تستخدم كل إمكانياتها من أجل استقرار الوضع في حلب بالتنسيق مع روسيا، وما تتضمنه أيام التهدئة الإنسانية المعلنة من إخراج التنظيمات الإرهابية المسلحة من الأحياء الشرقية لمدينة حلب ونبه مجلس الأمن الروسي بأن موسكو لا تستبعد قطع التهدئة في حال تدهور الأوضاع، وهذا يتوقف على الإرهابيين ومن يدعمهم.
ولعل المؤشرات تشي بذلك بعد ثلاثة أيام من التهدئة والتحضيرات التي أعدت لإنجاحها عند المعايير الثمانية من الحكومة السورية وخمسة أيام من تعليق الطيران الحربي السوري والروسي عملياته، فوق مناطق محددة.
يبدو واضحاً أن واشنطن تخوض معارك خلط الأوراق في سورية والعراق والمنطقة بحثاً عن مكاسب سياسية أو جيوسياسية لن تتحقق. وتنتقل من السياسي والإنساني إلى العسكري.
ولم يغير من مراميها المشبوهة إعلانها أن تقدماً في محادثاتها مع الجانب الروسي في جنيف قد حصل، لكن واشنطن لم تقدم أي دليل لفصل معارضتها المسلحة عن التنظيمات الإرهابية وعمودها الفقري جبهة النصرة الإرهابي في مدينة حلب وريفها، بل إن سلوكها المشبوه لخدمة إرهابيي النصرة وداعش أفسح المجال أمام أطماع أردوغان الطورانية كي يقصف المدنيين في البلدات السورية ويرتكب المجازر ويندفع بدباباته وآلياته العسكرية عبر الحدود السورية لتغطية الجماعات الإرهابية واحتلال بلدات في الشمال السوري، وقد أكد بيان للقيادة العامة للجيش والقوات المسلحة أنه احتلال مرفوض يعرض أمن واستقرار المنطقة للخطر وسيتم التصدي له بكل الوسائط المتاحة، كما لم تخف واشنطن فتح اتفاق سياسي في العراق لحساب عثمانية أردوغان فجاء رفض رئيس الحكومة العراقية العبادي لما تضمنته أجندة كارتر وزير الدفاع الأميركي لأي دور تركي في تحرير الموصل.
وإذا كان الرئيس بوتين أكد في اتصال هاتفي للرئيس بشار الأسد ثبات الموقف الروسي تجاه سورية والمتمثل بمحاربة الإرهاب والحفاظ على وحدة الأراضي السورية، فإن الرئيس بشار الأسد جدد تأكيد أن سورية مصممة على مكافحة الإرهاب بالتوازي مع إنجاز المصالحات الوطنية والاستمرار بالعمل تجاه تفعيل المسار السياسي لحل الأزمة في سورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن