قضايا وآراء

ما يهمّ واشنطن في معركة الموصل

| صياح عزام 

أخيراً، بدأ الجيش العراقي خوض غمار معركة الموصل لطرد داعش من آخر معاقله فيها، إلا أن هذه المعركة تحمل بين جنباتها الكثير من التعقيد والتداخل في المصالح بين الأطراف المتقاتلة، وحتى في مصالح الدول الإقليمية ومصالح أمريكا وغيرها من الدول الغربية.
والأمر المهم هنا، هو تسليط الضوء على الاستراتيجية الأمريكية في معركة الموصل.
بدايةً، من الواضح اعتماد هذه الاستراتيجية على الاحتواء المزدوج للإرهابيين سواء جبهة النصرة أو داعش. فالولايات المتحدة يمكن أن تقايض على الوجود العسكري للنصرة بتوجيه ضربات لها، مقابل احتلال مقاعد في المعادلة السياسية الجديدة لسورية تشغلها جماعات سورية مرتبطة بالسياسة الأمريكية، تبدأ بالحصول على وضع خاص لشرق حلب خارج نطاق سيطرة الجيش السوري.
بالنسبة لداعش، ترى واشنطن أن الحرب عليها طويلة لمقايضة وجود داعش في الجغرافيا السورية والعراقية بامتيازات أمنية وعسكرية أمريكية عبرت عنها الغارة الأمريكية على مواقع عسكرية سورية في دير الزور.
إن النظرة الأمريكية التي تُسلّم «نظريات» بوحدة سورية والعراق الجغرافية، ترى في الجغرافيتين مناطق نفود أمنية وعسكرية وسياسية تتوزعها مراكز دولية وإقليمية، وتأتي في قلب هذه النظرة المنطقة التي سلّمتها واشنطن لداعش ونخوض نظريّاً الآن حرباً لاستردادها، وجعلها منطقة عمليات أمريكية حصرية في سورية والعراق. وتمثل هذه المنطقة العابرة للحدود السورية العراقية تحت سيطرة داعش بين نهري دجلة والفرات، وتُعرف تاريخياً بـ«بلاد ما بين النهرين العليا» التي تصل إلى أبواب بغداد، حيث تضيق المسافة بين نهر دجلة والفرات، وتنفرج بعد تجاوز النهرين بغداد لتتشكل «بلاد ما بين النهرين السفلى»… هذه المنطقة، هي موئل تاريخي لحضارات (بابل وسومر وآشور وكلدان) وفيها نصف النفط السوري وربع النفط العراقي، إضافة إلى أراض زراعية مرويّة تشكّل خزانات للغذاء، وتقع هذه المنطقة على حدود واحدة مع تركيا، وتنتشر مدنها على ضفاف الأنهار، وليس بينها (فالطبقة والرقة ودير الزور) تقع على مجرى الفرات، ومدينتا (تكريت والموصل) على مجرى دجلة العراقي و(الرمادي) على مجرى الفرات العراقي.
ومساحة هذه المنطقة حوالي 125ألف كم2 ولا يسكنها أكثر من مليون نسمة، وبالتالي: فواشنطن تريد من الجيشين السوري والعراقي الدخول إلى المدن المذكورة واستردادها، شرط أن تبقى أراضي ما بين النهرين منطقة نفوذ أمريكي.
وليس مصادفة أن تركيا تحصر نشاطها وتحركاتها خارج منطقة ما بين النهرين، فتتحرّك غرب الفرات في سورية وشرق دجلة في العراق من بوابة «بعشيقة».
والجدير بالذكر هنا، أن إسرائيل كانت دائماً تعتبر هذه المنطقة ضرورية لأمنها، لماذا؟ لأن منطقة ما بين النهرين هي الممر الإلزامي للتواصل البري بين المقاومة في لبنان وبين إيران وسورية، كما أنها ممر اقتصادي إلزامي لأنابيب النفط والغاز بين إيران والعراق، كذلك هي ممرّ نهائيّ لأي ترتيبات صينية- إيرانية للوصول التجاري نحو البحر المتوسط.
إذاً، المعارك التي تجري لتحرير المدن لا تزعج واشنطن، لأنها معارك على مجاري النهرين وليس على الجغرافيا الواقعة بينهما وهي: (مساحة شاسعة بعدد سكان قليل يتحرّك فيها تنظيم داعش كحال (وزرستان) الأفغانية والباكستانية، وتتحرك في أجوائها الطائرات الأمريكية من دون طيار).
ويبقى الحل الأمثل هو بتعاون عسكري بين الجيشين السوري والعراقي بدعم من الأصدقاء في روسيا وإيران والأشقاء في المقاومة اللبنانية لإفشال هذه الاستراتيجية الأمريكية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن