قضايا وآراء

في مكاشفات «الربيع العربي»

| عبد المنعم علي عيسى 

كلما تقدم الوقت أكثر بـ«ثورات الربيع العربي» تكشفت حقائقها أكثر وتوضحت أيضاً عوامل تأجيج نيرانها التي لم تنطفئ بعد.
قبل أشهر وفي تصريح مفاجئ كان أقرب إلى «تبييض» السياسات قال باراك أوباما إن أكثر ما يندم عليه في رئاسته هو غزو ليبيا وقصفها لأن ذلك القصف كان خطيئة ولم ينس (أوباما) تحميل هذه الأخيرة إلى ساركوزي وديفيد كاميرون على حد سواء.
تجدر الإشارة هنا إلى أن واشنطن وفي سابقة كانت هي الأولى من نوعها تراجعت في تلك العملية التي قادها الناتو إلى الصف الثاني تاركة القيادة للفرنسيين وهو أمر وحده كفيل برسم العديد من إشارات الاستفهام وخصوصاً إذا ما ربطنا ذلك بأن فرنسا كانت قد أرسلت طائراتها لتقصف في ليبيا قبل أن يصدر القرار 1973 عن مجلس الأمن 17 آذار 2011، ومن المفيد في هذا السياق التذكير بتلك المناخات التي تم العمل على إنضاجها لتبرير تدخل الناتو عبر تسويق الأكاذيب والفبركات التي توجد أخيراً بواحدة من العيار الثقيل، وقد تم التعاطي معها على أنها حقيقة واقعية وهي أن القذافي كان يعد لارتكاب مجازر كبرى في بنغازي وهو ما يفرض التحرك بسرعة لمنع وقوع تلك المجازر.
كان النفس الطاغي في تلك المناخات فرنسياً، صحيح أن مصالح الأميركان والبريطانيين كانت قد تلاقت مع مصالح الفرنسيين في إسقاط نظام القذافي إلا أن المؤكد أنه كانت لفرنسا ساركوزي دواعي أخرى هي أكثر من مصالح الدولة الفرنسية، فحسابات السلطة بالنسبة لهذا الأخير كانت محركاً قوياً للسياسات التي تتبعها باريس ولربما تفسر أيضاً تلك المتابعة الدقيقة لأدق التفاصيل في ما كان يجري أو ما ستؤول إليه الأحداث أيضاً.
آنذاك قيل الكثير عن تورط ساركوزي مع القذافي إلا أن تلك الأقوال كانت بحاجة إلى أدلة أو براهين، قبل أن يخرج إلينا رجل الأعمال اللبناني الفرنسي زياد تقي الدين الذي قال لموقع (ميديا بار) الفرنسي 15/11 إنه «قام بتسليم ثلاث حقائب لساركوزي اثنتان منها بيد مدير مكتبه كودجيان عندما كان وزيراً للداخلية أما الثالثة فكانت بيد ساركوزي شخصياً، ثم أضاف إن تلك الحقائب قد احتوت على خمسة ملايين يورو لدعم معركة وصول ساركوزي إلى الإليزيه، هذه التصريحات تصح أن تكون الآن حلولاً لكلمات متقاطعة كان بعضها لا يزال غامضاً وخصوصاً منها ما جاء في تقارير كانت قد سربتها الـCIA في أعقاب اغتيال الزعيم الليبي 20/11/2011 وفيها أن عميلاً فرنسياً كان قد خرج فجأة من بين المجموعة التي تحيط بهذا الأخير ليوجه مسدسه إلى رأسه ويطلق عليه ثلاث رصاصات كانت ضامنة لسكوته إلى الأبد، أما لماذا خرج زياد تقي الدين الآن وفي هذا التوقيت فالأمر واضح وهو لا يعدو أن يكون عملاً يصب لمصلحة جهات تتناقض مصالحها مع ساركوزي الذي سعى في هذه الآونة لتزعم اليمين الفرنسي المعتدل تمهيداً للعودة إلى الإليزيه من جديد.
الآن من المؤكد أنه كانت لفرنسا وبريطانيا وأميركا مصالح كبرى في إسقاط نظام العقيد القذافي في طرابلس الغرب وجميعها دول كبرى تملك القدرات لتنفيذ ما تريد وهي تتبنى نظريات تسوقها تحت عناوين الأمن القومي الخاص بكل منها إلا أن السؤال هو ما مصالح دول الخليج تحديداً منها السعودية وقطر والإمارات في خوض مغامرات من هذا النوع؟ سيفتح (مهما طال الوقت أم قصر) ملف قطر وكذا ملف الإمارات أما السعودية فمن المؤكد أن ملفها قد فتح بعد صدور قانون (جاستا) أيلول الماضي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن