ثقافة وفن

السوري بنّاء.. وللبناء..

| إسماعيل مروة 

ست سنوات مرت، والوجع هو الوجع، والأمل هو الأمل، وفي كل يوم يتجدد رسول أمل في أن الغد سيكون أجمل. ست سنوات مرت، القتل استشرى، الخراب عمّ، ولكن الأرض تصرخ بأنها لن تفرط بالغد، مثقفون استفرغوا ما في عقولهم لتدمير درة بلادهم، استعانوا بكل عدو من أجل أن يعتلي أحدهم موقعاً، ومتفلسفون لم تنفعهم فلسفتهم، وأبقتهم على حافة الغدر بوطن جميل.. وسياسيون ملؤوا جيوبهم مالاً، وحياتنا قهراً صاروا طاهرين كما الشاش، وينادون بحرية هم من حجزها وحدّ منها، وما علينا إلا أن نصدق دعاواهم! ووجوه اجتماعية كانت تتباهى بعلاقاتها السلطوية والأمنية، وكسبت الكثير، وأخذت بيوتاً وشربت أفخم الأنواع اكتشفت فجأة أنها من الشعب! كل هؤلاء رحلوا ووجدوا ملاذات وفنادق وأماكن تخفي حقائقهم، والإنسان العادي- الذي هو الغاية حسب زعمهم- بين متجذّر ومهاجر ومهجّر، أما المتجذّر فقد كان قارورة من الجوري والياسمين، ورحل مبكراً تاركاً خلوده وبقاءه مؤثراً أن يكون عبيراً من روح ودم إلى العالم الآخر، وكان ارتباطاً لا يمكن أن يمحى للإنسان الذي يعشق غبار الدمار على روائح العطر، ويتماهى مع الرصيف القذر والمياه الآسنة على أن يكون بلا حياة..
وأما المهجّر فذاك الذي كان مستوراً مرتاحاً ليجد نفسه بلا مأوى، بلا أسرة، بلا مكان، ووجد نفسه في العراء تتقاذفه وعود بأنه سيكون أفضل، تشققت روحه وقدماه بحثاً عن الأفضل، وهو يحمل في هاتفه أو حقيبته صورة بيت كان أنيقاً عامراً بالحب والود، دفع عمره عملاً أو اغتراباً حتى تمكن من صنعه، وقبل أن ينام على سجادته وجد نفسه بعيداً عنه يقف في الدور منتظراً علبة كرتون مساعدة لتكفيه وأسرته!
وأما المهاجر فهو الذي حاول جهده أن يبقى فما أمكنه، وهاجر ريثما يعود، هذا إن لم يغادر هناك أو في الطريق شأن الكثيرين الذين هاجروا، أو هاجر لأنه خبرة وطاقة يستوعبها العالم الآخر ويسعد بوجودها لأنها تسهم في بنائه..
ست سنوات مضت، والسوري يتحدى كل شيء، ست سنوات كانت كفيلة بإظهار حقيقة السوري، فهو العامل والمكافح والعفيف، وهو الثروة التي تنبت من الصخر الصلد، وهو المتشبث بأرضه لا يغادرها إلا على جثته، ولذلك أخفق الجميع في الحصول على بغيتهم، وما نراه اليوم هنا وهناك نسبة نادرة من السوريين الذين لا يمثلون حتى أنفسهم، أفسدتهم الثقافة التي كانت أكبر من استيعابهم، وأرهقتهم الفلسفة فوق عقولهم، وحادت بهم السياسة التي وصلوا إلى مواقعها في غفلة من زمن!
هل يصدق من يروج للدمار أن أحدهم نسي سيارته مفتوحة ليوم كامل لم يفقد منها شيئاً، وأن اللص الذي طبع على اللصوصية سرق من جوف الأمان؟ وهل يصدق أحدهم أن السوري إلى اليوم يذرف دمعات على أخيه الذبيح الذي لا ينتمي إليه، وهو يقف بانتظار معونة؟ هل يعلم كثيرون أن مستحقي الإعانات قد لا يذهبون إليها، ويحصل عليها الموسرون؟!
لم يتمنَّ السوري يوماً أن يحل بأي بلد ما حل ببلده، ولكن ما حل لو وقع في أغنى الدول لانهارت، تلك الدول التي عندما يتوقف فيها فرن عن العمل تصاب بالمجاعة، لكن السوريين كلهم صاروا خبازين ونجارين وسائقين وبنائين.. إن السوري بنّاء في الحقيقة والمعنى، وهذا ما يدفع الأمل في تباشير الانفراج والخلاص في أن تنهض سورية ليس كما كانت، وإنما بصورة جديدة، وسيخرج المارد السوري الأدهم من تربته قارورة عطر من ياسمين للغد القادم وخلوده.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن