من دفتر الوطن

خطوة.. وكلمة

عصام داري : 

 

مشينا خطوتنا الأولى في الحياة، لم نتوقف بعدها، نسير.. ونسير حتى نصطدم بالجدار الأخير، والمشوار الأخير الذي سنبلغه مرغمين مهما امتد بنا العمر.
كتبنا أول كلمة في دفترنا الصغير، ثم فتحت الأبجدية بواباتها السحرية أمامنا، لنغرف منها كلمات وعبارات وجملاً تزين دربنا في هذه الحياة، وترصف طرقاتنا بجميل الكلام.
زركشنا حياتنا بالورد وخطفنا المواعيد وسرقنا لحظات من الزمن الغادر عشناها بكل تفصيلاتها. دخلنا قصور الحكايات السحرية، وغصنا في محيطات الدهشة والخيال، غرقنا في فرح عابر نعرف أنه لا يدوم، فنهلنا ما نستطيع من هذا الشلال المفرح، وصحونا لنجد أن لحظات الفرح قليلة، بل ربما نادرة في حياتنا، وأن الحزن يتربص بنا عند كل مفترق طرق.
وما بين الخطوة الأولى والكلمة الأولى، وبين بداية الغروب، رحلة خاطفة مضت كومضة لا أكثر، لم نشعر بحكم السنوات، وحكمة الأقدار إلا بعد فوات الأوان، فإذا بنا أمام سراب وصحراء لانهاية لها.
لكن الفسحة المتاحة أمامنا لم تتبخر بعد، فمازال في العمر بقية كلمات لم تكتب بعد، وبقية خطوات لم نقطعها بعد وفي العمر بقية من سنوات، وأشهر سنبحث فيها عن لحظة حب وفرح هربت من الماضي، أو أضعناها بطيش الشباب، أو كانت تنقصنا الشجاعة وخبرة الحياة.
نحتاج إلى عمر جديد نعوض فيه ما فاتنا، ونحاول ألا نهدر الفرص في الحب والحياة والعمل، والدراسة أيضاَ، فكم غير الكثيرون منا مستقبلهم لمجرد إهمال الدراسة، فخرجوا عن السكة الصحيحة، وتوجهوا في مسارات غير سوية.
لست واعظاً، ولست بحاجة إلى جمل مقابل النصيحة، لكن الحياة علمتني الكثير من الدروس، وكنت أظن نفسي أكثر ذكاءً وفهماً من الآخرين، ولم أقبل بالنصائح التي كانت توجه لي بالمجان، واكتشفت أنني أخطأت كثيرا، لكنني تداركت الأمر قبل أن يسبقني الزمن ويمد لي لسانه ساخراً مستهزئاً.
اليوم لدينا الوقت للخروج من دوامة وجدنا أنفسنا فيها، مصادفة، أو دخلناها بملء إرادتنا، وتأكدوا أن الفرح يقف خلف الباب ولا يحتاج إلا أن نفتح له لينتشر عطراً وزهراً ونسائم ربيعية تنعش الأرواح والنفوس.
كتبت منذ أيام خاطرة صغيرة تقول: المؤسف أن الكآبة صارت هوية وانتماءً وممارسة يومية.. لكننا قادرون على تلوين حياتنا وتطريزها بالقصب والفضة والذهب كي تظهر بهية مريحة جميلة وساحرة.
و.. كم لحظة من أعمارنا المهدورة على بوابات الحزن ذهبت سدى من دون جليس وأنيس يداوي جراحاً غائرة في عمق النفس والروح بلا طبيب ولا حبيب ولا رفيق درب يشاركنا الأحزان والفرح.
لا تتخلوا عن أحلامكم المشروعة مهما كانت التحديات والعقبات، فمن يزرع الشوك لا يعمر طويلاً، سيذهب هو والأشواك التي زرعها، ولن يبقى إلا الورود والأزاهير وبيارات الليمون والبرتقال وبساتين النرجس والرياحين. كما بدأت حياتي بالخطوة الأولى، والكلمة الأولى، سأمضي قدماً على طريق اخترته، أو اختارني، لكنني راض كل الرضا عن خياراتي وخطواتي، ومعظم الكلام الذي خطته ريشتي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن