ثقافة وفن

السمندرات تعمل من دون توقف طالما يستمر الليل … قصاصات وتسجيلات تصنع عالماً متشابكاً كخطر يهدد الإنسانية

رواية خيال خصب وعقل متبصر، يرسم عالماً من مخلوقات غريبة تمارس حياتها في جزر الشرق الأقصى وتقيم علاقات مع المخلوقات الأوروبية التي تستثمرها، لكن عملية الاستثمار تثير صراعات داخلية لدى المستثمرين الذين يمثلون دولاً ومصالح عملاقة، رواية تصور بحنكة الصراعات الاجتماعية والخلل الكبير في العلاقات بين البشر، وتسخر على نحو فاضح من النظريات العرقية.
إنها رواية حرب السمندرات للكاتب التشيكي المبدع كارل تشابك، التي صدرت عن وزارة الثقافة والهيئة السورية للكتاب ترجمة الدكتور غياث الموصلي.

لمحة عن الكاتب
كتب في الأدب والفن، والفلسفة والخيال العلمي، درس الفلسفة في براغ وبرلين وباريس بين عامي 1909-1915، قام برحلات طويلة في ايطاليا وانكلترا وإسبانيا وهولندا ودول الشمال مما أعطاه دفعاً قوياً في أعماله الأدبية، نال تشابك شهرته العالمية من خلال رواياته ومسرحياته التي تميزت بالخيال الأسود، والتي يسأل فيها ساخراً عن التأثير الحقيقي للتطور العلمي والتقني عند الإنسان كما هو واضح في مسرحيته الشهيرة «إنسان رسوم الآلي الشامل»، حيث كان أول من أطلق فيها اسم «روبوت» على الإنسان الآلي، كما حذر من خطر الزيف البشري، ومن هيمنة الإنسان الآلي على البشرية.

فكرة الرواية
نشأت رواية «حرب السمندرات» من تجميع قصاصات الجرائد «كولاج» وغيرها من التسجيلات القديمة التي تتحدث عن السمندرات الرائعة التي تعلمت الكلام، والعمل، والتصرف، مثل البشر، ولا ينقصها شيء سوى التفكير الإبداعي، يتكشف لكارل تشابك من خلال المقالات الصحفية المثيرة والهجائية، والهزلية ما أعتقد أنه أكبر خطر يهدد الحضارة الإنسانية، وهذا يعني الوصول إلى الثروة ومن ثم المتاجرة بأي شيء نتوقع منه الربح حتى ولو كان ذلك سيجر البشرية إلى حتفها، وتخريب كل ما بناه الإنسان من ثقافة وحضارة وأخيراً وليس آخراً تهديده هو بذاته وتهديد وجوده على هذه المعمورة.
لقد أصبح تشابك في رواياته ومسرحياته نتيجة المد النازي وتهديده لجيرانه أكثر حدة في فضح السياسيين والاقتصاديين، وهذا ما نراه في هذه الرواية الرائعة السلسة «حرب السمندرات» 1936م، التي تعتبر من أشهر رواياته على الإطلاق، إذ حازت إطراء النقاد والأدباء والمهتمين بالثقافة الإنسانية في جميع أرجاء أوروبا وفي العالم، لكونها تستعير صور السمندرات المائية التي تصبح ضحية التطور البشري والركض وراء الثروة، إنها صورة التناقض الأزلي بين الضحية والجلاد.
ضمّت الرواية ثلاثة كتب وهي:أندرياس شوخزري- على خطا الحضارة- حرب السمندرات، وكل كتاب جمع عدة فصول.

وهذه بعض المقتطفات من الرواية
إننا الآن نتابع السمندرات وهي في طريقها نحو الازدهار الكبير، وحتى البشرية بأكملها تتمتع بهذا الازدهار غير المسبوق، بعزيمة كبيرة يتم بناء الشواطئ الجديدة، كما تظهر على الأراضي الضحلة القديمة أراضٍ جافة، ترتفع في وسط المحيط جزر صناعية عليها مطارات، ولكن هذا بأكمله ليس شيئاً مقابل المشاريع التكنولوجية العملاقة التي سوف تعيد تعمير سطح كرتنا الأرضية التي تنتظر من يمولها، السمندرات تعمل دون توقف في جميع البحار وعلى أطراف اليابسة بأكملها طالما يستمر الليل، يبدو أنها سعيدة ولا تطلب لنفسها شيئاً سوى أن يكون لها ما تفعله، وأين عليها فتح ثقوب على الشواطئ وممرات لمهاجعها.

معركة النورماندي
كانت معركة النورماندي من نوع آخر، وقد حدثت في وقت متأخر، هناك السمندرات العاملة بشكل رئيسي في شربورغ، وتسكن الشواطئ المحيطة، أحبّت التفاح بشكل لا يوصف، ولكن بما أن إدارتها لم ترغب في تزويدها به إضافة إلى وجبات السمندرات العادية، شنّت السمندرات حملات سرقة على حقول الفواكه القريبة، اشتكى الفلاحون إلى الشرطة ومن ثم تمّ منع السمندرات من التحرك خارج ما يسمى منطقة السمندرات، ولكن ذلك المنع لم يؤتِ ثماره، استمرت الفواكه بالتناقص كما تناقص عدد البيض في المزارع، ومع مرور الوقت، اختفت كلاب الحراسة التي وجدت ممزقة ومقتولة كل صباح، هنا بدأ الفلاحون بحراسة مزارعهم وحدهم متسلحين ببنادقهم القديمة التي أطلقوا منها النار على لصوص السمندرات.

هزة أرض في لويزيانا
في ذلك اليوم الحادي عشر من تشرين الثاني، الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، أحسَّ الناس في نيو أورليانز أن الأرض تهتز من تحتهم بقوة، انهارت عدة عمارات في حي السود، هرع الناس من شدة الخوف إلى الشوارع، ولكن الهزات لم تتكرر، وبدلاً منها هاجم المنطقة إعصار حلزوني قصير مرعب نتج عنه تكسير زجاج النوافذ، وقلع أسطحة البيوت في شوارع السود الضيقة، ومقتل العشرات، وبعدها تساقط مطر موحل غزير، في الوقت الذي سارعت فيه عناصر الإطفاء لمساعدة أكثر الشوارع تأذياً، كان عمال الهاتف يرسلون البرقيات من مورغن سيتي، بلاكمين، باتون روج ولافاييت: اس أو اس! أرسلوا قوات إنقاذ! لقد دُمرنا بشكل كامل من جراء الهزة الأرضية والإعصار الحلزوني، سد مسيسيبي مهدّد بالتصدع، أرسلوا في الحال عمال الحفر، سيارات الإسعاف وجميع الرجال القادرين على العمل.

واقعة اللامانش
أبحرت بعد وقت قصير سفينة النقل البلجيكية أودنبرغ من أوستند باتجاه رامسغيت، حين كانت وسط مضيق كلايس، لمح الضابط القائم بأعمال المناوبة أنه على بعد نصف ميل جنوب المسار الطبيعي «شيء ما يحدث في الماء»، ولأنه لم يتمكن من التمييز بسبب عدم اتصال أحد، أمر بالإبحار إلى ذلك المكان لاستيضاح الأمر، مئتان من الركاب جعلوا ينظرون في مهب الريح هذا المشهد المسرحي الغريب: هنا وهناك، المياه «تطرش الأجواء، هنا وهناك يخرج منها شيء شبيه بأجسام سوداء، يتلوى ويتموج ويفور سطح البحر في محيط ما يقارب ثلاثمئة متر بوحشية، كان يسمع من الأعماق ضجيج قوي حاد أو هدير.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن