ثقافة وفن

عندما تنطلق الرسوم المتحركة في الحرب على التطرف…توحيد الجهود في مواجهة الرعب القادم من العنف

إعداد: مها محفوض محمد : 

يعد مهرجان آنيسي الدولي للرسوم المتحركة في فرنسا من أهم وأقدم المهرجانات السنوية في عالم الرسوم المتحركة، وفي دورته لهذا العام التي بدأت في الخامس عشر من حزيران حيث انطلق من الرسوم المتحركة الثلاثية الأبعاد التقليدية إلى كوميديا العبث كان الحضور الروسي مميزاً بمشاركة أفضل ستة مخرجين روس منهم دروجي بيريكا للأفلام القصيرة وفاسيلي شيزكوف الذي يستوحي أفكاره من كتابات ماندلستام وآرسوني تاركوفسكي أيضاً المخرج قسطنطين برونزيت الحائز جائزة القيصر وجائزة الأوسكار عام 2009 للأفلام القصيرة وهو أفضل تلميذ لفنان الرسوم المتحركة السوفييتي المعروف الكسندر تاتارسكي وحسب هذا الأخير فإن برونزيت ترك بصمة على الفن الروسي في هذا المجال من خلال أفلامه الطويلة حيث اقتباساته المتعلقة بالسينما هي من أعمال أدبية كلاسيكية عريقة للأطفال.

 

ومن هؤلاء المخرجين المشاركين أيضاً ميخائيل سافرونوف في فيلمه «فيل خفيف» وفيه يحلم الفيل بالطيران ويجوب آفاقاً لا نهاية لها وعالماً عجيباً متموجاً بين الغيوم فالحيوان الطائر الذي يمثل بلداً وسكانها هو مشروع وسيلة إعلام لعمل خيري واسع وليس رسوماً متحركة فقط والهدف من سلسلة أفلام الحيوانات الطائرة كما يقول المخرج هو إلهام المشاهدين صغاراً كانوا أم كباراً بأن يكونوا سعداء محظوظين وألا يخافوا كما أنه مشروع لدفع الناس للثقة بقدراتهم والإقدام على تغيير حياتهم نحو الأفضل كما يوحي الفيلم بأن الشعور الداخلي بالسعادة يساعد الشخصية الأساسية على السمو الذي يجسده التحليق في الفضاء.
هناك أيضاً المخرج الروسي السوفييتي ايفان ماكسيموف في فيلمه «ماشا وميشكا» وهو مشروع روسي لا سابقة له في عالم الرسوم المتحركة مأخوذ من حكاية شعبية روسية عن طفلة تضيع في غابة ثم تجد نفسها في دار دببة تم بث الفيلم على القنوات التلفزيونية الروسية منذ عام 2009 ليجد نجاحاً كبيراً وينتقل بعدها إلى أوروبا وأميركا الجنوبية ودول أخرى ومن هذه الأفلام ما اعتبر مراجع للسينما الكلاسيكية العالمية من فيلم فورست غامب إلى آفاتار لتثبت مرة أخرى أن الرسوم المتحركة ليست حصراً للأطفال.
من الأفلام التي شاركت في المهرجان أفلام تناولت موضوع الإرهاب وكيفية التصدي له بطريقة اللعب كما فعل الفنانون الروس سابقاً.
أما المخرج الباكستاني جوهر أفتاب فقد قدم فيلماً عن كيفية مكافحة الفكر المتطرف تحت عنوان: «عندما تنطلق الرسوم المتحركة في الحرب ضد الجهاديين».
يقول أفتاب: في باكستان قرر الرسامون توحيد جهودهم للوقوف في وجه التأثير المرعب لجماعة طالبان على جيل الشباب وليقدموا عملاً مشتركاً يتحدون فيه لغة هؤلاء الراديكاليين عن طريق الرسم بالقلم فأنتجوا عملاً تم إطلاقه مؤخراً في إقليم بنجاب المقاطعة الأهم في باكستان وسيتاح لهذا العمل أنه سيجول في أنحاء العالم كافة عن طريق تطبيقه أو تحميله على الهواتف النقالة، لقد أردنا أن نبرهن لهؤلاء أن الإنسان يكون مؤمناً دون عنف ويجب أن نكون مسلمين نرفض هذا التطرف العنيف وأن هؤلاء المتطرفين يحاولون تشويه معتقدات الإسلام وإلباسها زياً غريباً، وعلى مدى ثلاثة أجزاء يتابع المسلسل يوميات مجموعة أصدقاء من طلاب الجامعة ما زالوا يتأرجحون بين الحداثة والتقليد وذات يوم يبتعد أحدهم عن المجموعة ويذهب للانضمام إلى صفوف تنظيم ديني تغلغل في صفوف المجتمع وشكل جبهة جهاد تسوغ للشباب التطوع فيها للقيام بعمليات عنف وقتل، والهدف كان إرسال الشاب إلى منطقة الهيمالايا في كشمير حيث التوتر الدائم بين باكستان والهند غير أن تدخلاً عائلياً ينقذ روح الشاب الذي سعى هؤلاء المتطرفون عمداً إلى جعله يشعر بأنه تائه ومهدد من الآخرين، وتدور الشبهات حول الأهداف الحقيقية لهذا التنظيم ومقاصده وخوف وقلق من إسلامهم المرائي ثم السعي لجر الشباب وغسل أدمغتهم في حلقات الفصل الأول التي تحمل عنوان: «ظلامية وسذاجة» يقتبس فيها المخرج من تاريخه الشخصي ليمد الحبكة السردية لبطل المسلسل بمعالم وإشارات استدلال خاصة خلال سنواته الدراسية.
يقول أفتاب: عندما كنت في المرحلة الثانوية واجهت شكلاً من أشكال السطوة من أستاذي الذي كان يتمتع بشخصية تشد الطلاب كثيراً إليه وكان يقدم لنا العالم بلونين أسود وأبيض من خلال فرز واضح بين قوانين الحضارة الغربية وشريعة الحضارة الإسلامية، لقد كانت مذبحة بيشاور في كانون الأول الماضي قاسية جداً علينا وشكلت منعطفاً مهماً هذه المجزرة التي قتل فيها مئة وخمسون شخصاً بينهم 130 طفلاً وهي الأكثر دموية منذ عشر سنين في باكستان بعنف ورصاص طالبان الأعمى هي التي أوحت لنا بفكرة البدء في مشروع مقاومة هؤلاء عبر الرسم، وينضم إليه مصطفى حسنين مؤسس مدرسة الرسم الإبداعي في لاهور العاصمة الثقافية للبلاد قائلاً: حقاً يجب أن نفعل شيئاً ضد هذا الإرهاب والتطرف المخيف، وقد تمت ترجمة العمل إلى لغات أخرى عديدة وخلال أيام سيتم توزيع السلسلة في نسخة خاصة لأجهزة الهواتف الذكية مع شريط صوتي مصحوب بنغمات درامية وبالنسبة للسيناريست جوهر أفتاب فإن هذه حرب من نوع آخر بل هي نوع من تعويذة مقدسة لمحاربة استغلال إحباط الشباب من المتطرفين، وهذه الحرب يجب أن ينضم إليها كتاب وفنانون آخرون ليقدموا ما يستطيعون من فائدة للمجتمعات التي يتهددها الفكر المتطرف ورغم كل التهديدات التي تلقاها السيناريست أفتاب من دوائر نفوذ الإسلاميين المتطرفين فهو يواصل دعوته لمواجهة هذا الإرهاب المتنكر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن