اقتصاد

مصرف سورية المركزي.. فكر جديد في سياسة نقدية إصلاحية

| عامر شهدا 

قرأنا في صحيفة «الوطن» عن اقترح للمصرف المركزي يهدف إلى ضبط منح تسهيلات الحساب الجاري المدين والتأكد من استخدامه في تمويل رأس المال. ما قرأناه يدعونا إلى المقارنة بين معطيات التفكير في وضع سياسة نقدية والكيفية التي يتم من خلالها استخدام أدوات هذه السياسة.
من خلال المتابعة لما يقوم به المصرف المركزي منذ استلام الدكتور دريد درغام له نرى أن المركزي يسعى لتحقيق هدفين الأول استعادة ثقة المجتمع بالمصرف المركزي أي بالليرة السورية عن طريق تثبيت سعر الصرف الذي من المفترض أن تتعاون جهات حكومية مع هذا التثبيت للعمل على تخفيض الأسعار، وبالتوازي يعمل على الهدف الثاني وهو ضبط الكتلة النقدية من خلال سياسات وأدوات لا تؤثر سلباً في الأسعار والقوة الشرائية لليرة السورية ولا ترفع التكلفة في الحصول على التسهيلات الائتمانية، فالضوابط المقترحة حددت سقوف المنح وخلقت آلية لربط رصيد الحساب وحركته بموضوع منح التسهيل واستمراره إضافة إلى وضع ضوابط تمنع ازدواجية المنح أكثر من المصرف لعميل واحد. نمطية تفكير ذكية حيث لم يتطرق المصرف المركزي لرفع سعر الفائدة المدينة للحد من منح التسهيلات التي تؤدي إلى رفع التكلفة.
من المعروف في السياسة النقدية أن يلجأ المصرف المركزي في حالة التضخم إلى سياسة سعر الخصم وسعر الفائدة حيث إن هناك علاقة طردية تربط بين كل من سعر الخصم وسعر الفائدة وأسعار الفائدة القصيرة الأجل. إن اتباع هذه السياسة سيؤدي إلى ارتفاع في تكاليف حصول المصارف على النقود ما سيجبرها على رفع فوائدها كما سيرفع التكلفة للحصول على التسهيلات ويؤدي ذلك إلى الإحجام عن طلبها من المتعاملين وبهذه الطريقة تتم معالجة حالة التضخم، هذه السياسة تتبع في وضع نقدي صحي وليس في أوضاعنا النقدية الحالية.
إن القوة الأساسية للسلطة النقدية المتمثلة بالمصرف المركزي تظهر من خلال قدرتها على زيادة أو إنقاص حجم النقود (الودائع والائتمان) لدى الجهاز المصرفي وكذلك في المجتمع، وذلك عن طريق الاعتماد على مختلف الأدوات والوسائل والأساليب الفنية للسياسة النقدية وأهمها الرقابة غير المباشرة والرقابة المباشرة الكمية والرقابة المباشرة الكيفية، والوسائل الأخرى التي يمكن أن يلجأ إليها المصرف المركزي والتي تشكل في مجموعها موضوع السياسة النقدية. فالاقتراح الذي يعمل عليه المصرف المركزي أتى نتيجة نوع من الرقابة اتبعها المركزي وقام بتحليل نتائجها السلبية والإيجابية ما دفعه للعمل على هذا الاقتراح الذي يشير إلى مهنية وعقلانية القائمين على رسم السياسة النقدية، وخلق آلية لمنح التسهيلات للحساب الجاري المدين الذي يخلق قوة أكبر للمصرف المركزي في إدارة ورقابة الكتلة النقدية المتداولة، والعمل من خلال ذلك على الحد من التضخم من دون أن يؤثر ذلك في الأسعار والقوة الشرائية لليرة السورية وقدرة الدخل على الاستهلاك وسيحد بشكل ملحوظ من موضوع المضاربات في سوق القطع الأجنبي.
وعلى اعتبار أن الموضوع اختصاصي لا بد أن يتم التوضيح من خلال المقارنة مع سياسة سابقة وهنا لا بد من الإشارة إلى منظومة كانت معنية بإدارة النقد ولا نقصد أفراداً بعينهم. فالسياسة التي كانت متبعة أدت إلى ارتفاع الأسعار وإضعاف قدرة الدخل على الاستهلاك حيث تم تحجيم دور المصارف في سوق القطع، إلا أنه لم يتم خلق رقابة على هذه المصارف ما يخص منح التسهيلات الائتمانية، لذلك تعدد منح الجاري المدين بعدة مصارف لمستفيد واحد وهذا ما دعا المركزي اليوم لوضع الضوابط لذلك. وبالجهة المقابلة قام المركزي باستخدام الفوائد من أجل جمع الكتلة النقدية بالسوري فرفعت المصارف الفوائد على الودائع لتعويض نقص السيولة التي حدثت بالسوري نتيجة شرائها للقطع الأجنبي. وبالوقت نفسه قام المركزي بالمزادات من أجل طرح الدولار للبيع في الأسواق الأمر الذي أدى إلى تخوف المجتمع فقام بسحب ودائعه لشراء الدولار الذي خفض السيولة في المصارف فرفعت فوائدها مره أخرى حتى وصلت إلى حدود 15%، وبالوقت نفسه قامت بمنح الجاري المدين بفائدة عالية قبلها المتعامل على اعتبار أن ما استفاد منه من تسهيل حساب جارٍ مدين لم يستخدمه في تمويل رأس المال وإنما يستخدمه في المضاربات بسوق القطع، وما يحققه من أرباح من هذه المضاربات تفوق كثيراً الفائدة العالية التي فرضتها المصارف على تسهيلاته. هذه السياسة الناتجة عن نمطية تفكير لمنظومة لا تعبر عن وجود خبرة في إدارة النقد أدت إلى ارتفاع الطلب على الدولار وارتفاع أسعاره وإضعاف القوة الشرائية لليرة السورية وإضعاف قدرة الدخل على الاستهلاك ونتيجة لذلك لا يزال يعاني منه المجتمع حتى تاريخه.
بالختام نحن نأمل أن يترجم اقترح المركزي على أرض الواقع ونعتبره الخطوة الأولى باتجاه رسم سياسة نقدية صحيحة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن