ثقافة وفن

على العمل الإبداعي أن ينتج جدلاً في لغة المشاهدة…سامر البرقاوي لـ«الوطن»: نوع المشروع واهتمام الجمهور وقيمة الحبّ هو ما دفعني لتشيللو

عامر فؤاد عامر : 

قدّم مجموعة من الأعمال جعلته من شركاء صناعة وتفوّق الدراما السوريّة، وكانت البداية في عام 2001، وقد أخرج مسلسلاتٍ دراميّة كثيرة منها «بقعة ضوء» الجزء السادس، و«بيت جدي» الجزء الثاني، و«قلبي معكم» و«بعد السقوط» و«مطلوب رجال» و«مرايا2011»، وفي رصيده مجموعة من الأفلام السينمائيّة، واليوم ارتبط اسمه في تقديم مسلسلات عربيّة مقتبسة من أفلام أجنبية، فقد أضاف بعد «لعبة الموت»، و«لو»، عمله الجديد «تشيللو» إلى هذه القائمة، وفي هذا الحوار الخاصّ لـ«الوطن» كانت للمخرج «سامر البرقاوي» مساحته في الحديث عن تجربته الأخيرة، وتوضيح كثير من النقاط المهمّة، وفي بداية حوارنا كانت له هذه المقدمة التي يقول فيها: «تشيللو» هو السنة الثالثة لي في بيروت؛ بعد مسلسلي «لعبة الموت»، و«لو»، وعن تصنيف «تشيللو» أقول: إنه من نفس المصنّف، فهي جميعها أعمال مقتبسة عن أفلام، وقد تمّت عمليّات التصوير في لبنان، وهو من الأعمال الهجينة، التي تحمل خلطة عربيّة تتعدى حدود مكان التصوير، فهناك تنوّع في المكان، وفي البلد التي ينتمي إليه الفنان، وقد سعيت دائماً للمحافظة على عنصر الاختلاف، ليس بهدف الاختلاف فقط، بل لأنه يخدم التوجّه العام الذي أشتغل عليه، فأنا أراعي هذه المسألة حتى في اختيار عنوان المسلسل الذي أصوره».

يمكن جمع أعمالك الثلاثة الأخيرة تحت سقفٍ واحد، لكن ما الإضافة والاختلاف (إخراجيّاً) في عملك الجديد «تشيللو»؟
بمجمل تجربتي؛ إضافة للوقت، والمعرفة التي شكّلتها، أصبحت لديّ خبرة إخراجيّة، وهذا الأمر سيطول شرحه، لو أردنا الخوض فيه، فالاختلاف يبدأ من الموضوع الذي أتناوله، وكيف سأقدمه، والأسلوب الخاصّ أثناء العمل، وبالتالي تحديد خصوصيّة كلّ مشروع هي ما تمنح المسلسل ميّزته، فمثلاً في مسلسل «لعبة الموت» وهو عمل قُدّم بالشراكة مع المخرج «الليث حجو»، وقد بُني على العلاقة مع البحر، الذي هو صلب الموضوع، فالصورة البصريّة هي الطاغية، وهي حاضرة جداً، أمّا في مسلسل «لو» فأضرب مثالاً هنا عن البحث البصري أيضاً الذي كان في العلاقة مع الجبل، وقد قدّمت فيه معظم المشاهد، سواء كانت في المشاهد الخارجيّة أم حتى الداخليّة، من خلال النوافذ، فدائماً هناك العزلة الاجتماعيّة، التي هي مسار الأحداث، والتي تناسبت مع بيئة الجبل في لبنان، هذه السنة اخترت منطقة البقاع، لمسلسل «تشيللو» في موضوع البحث البصري، فخلقتُ علاقة بين مدينة الأعمال بيروت، والمدينة المعيشة، التي تمارس فيها الحياة اليوميّة، وهنا حالة الحبّ التي تعيشها بيروت، ووسط المدينة، والنفوذ، والمال، والتباين بين العالمين، وهذا ما بحثت فيه، وخدّمته بصريّاً.

بماذا يتميّز نص مسلسلك الجديد هذه السنة عن سابقه؟
جاء الاقتباس عن فيلم «عرض غير لائق»، ولحساسيّة الموضوع، ومن أجل كيفيّة تقدّيم معادلة دراميّة تلفزيونيّة ناجحة من فيلم بهذه الحساسيّة، والجدليّة التي يطرحها، تمّ اختيار الكاتب «نجيب نصير» لإعداد السيناريو. والنصّ اهتمّ كثيراً بسؤال هو: كيف يمكننا أن نعرّض الحبّ لمساومة المال، وهل من الممكن أن نراهن على الثقة في علاقة الحبّ؟ وهل من الممكن أن نخوض هذا الرهان الحسّاس؟ وبالتالي من الممكن ربط المسلسل بالكامل في هذا السؤال والجدل.

ما حاجتنا في واقعنا العربي لإنتاج أعمال تعتمد على نصوص مقتبسة من أفلام أجنبية؟
لا أروج لتكون الأعمال العربيّة كلّها تعتمد على الاقتباس، ولكن هذا لا يمنع أن يكون في الدراما من يهتمّ في هذا النوع من العمل، وعموماً أنا لا أوجّه دعوة للآخرين أبداً؛ بأن يعملوا على فكرة الاقتباس التي أقوم بها، وشخصيّاً في تجربتي السابقة قدّمت أعمالاً غير مقتبسة، لكن اليوم فكرة الحاجة وعدمها هي ما يحدد نوع المشروع، إضافة إلى اهتمام الجمهور بهذا الأمر، وأيضاً الحديث عن قيمة إنسانيّة هي الحبّ في مسلسل «تشيللو» تحديداً- وهو موضوع لا هويّة له ولا جنسيّة- هو ما دفعني للشروع في العمل وإنجازه. وأودّ الإشارة إلى أن هذا نوع من الأعمال الإبداعيّة معروفٌ عالميّاً، وكثير من الأعمال العربيّة على الرغم من اعتمادها على الاقتباس إلا أنها لا تصرّح عن نفسها في هذا الموضوع، ولكن أنا هنا أقول بصراحة وأصرح بأنّني لا أتعامل مع الموضوع بأنّه علّة تجب مداواتها، بل أنا اعتبره اقتباساً، وإبداعاً، وليس استسهالاً مطلقاً.

يعالج مسلسلك الجديد «تشيللو» سؤالاً، فهل قدّمت الإجابة عنه؟
ليس المطلوب منّا في عالم الدراما أن نقدّم الأجوبة أبداً، والسؤال مفتوح لآخر لحظة من مسلسل «تشيللو»، فالعمل الفنّي يطرح جدلاً، والجدليّة يجب أن تبقى قائمة، وبالعموم أيّ مسلسل أو فيلم لا يجب عليهما أن يحملا حالةً من التنظير، بل جدليّةً تبدأ من بعد انتهاء العرض.

إلى أيّ حدٍّ أثّرت فيك البيئة التي نشأت منها وذلك في بصمتك المهنيّة؟
أنا من دمشق، وابن حيّ الشاغور، ولا يزال بيتنا العربي موجوداً، وقد عشتُ الحارة، وعشتُ الحيّ الذي أقصد به بيت المزة، وبين هذين المكانين تربيتُ على الكثير من المدارك، والاهتمامات، والمواهب، أو أنصاف المواهب– كما يحلو لي أن اسميها- فكنت استمع للموسيقا؛ ولم أصبح موسيقيّاً، وكتبتُ؛ ولم أصبح كاتباً، ورسمتُ؛ ولم أصبح رساماً، فكانت أنصاف المواهب تلك، تجعلني أكثر بحثاً عن نفسي، وفي النتيجة يجب أن يكون هناك احتواء لكلّ ما ذكرته، فكنت مخرجاً، ومهنة الإخراج موسوعيّة بحاجة مني إلى الرؤية الجيدة، والمعرفة الدائمة، والقراءة والبحث المستمرين، وبحدٍّ أدنى الثقافة التي تجعلني قادراً على التصدي، والتعامل مع الذوق العام وتطور الحياة، فوجدت أن هذه المهنة هي ما يمكن أن تمثّلني، فتدرجت في العمل الدرامي من مكان لمكان، ومن مدرسة لمدرسة، وأقصد بالمدرسة هنا المخرجين الذين خرّجوا تلاميذهم، إلى أن وصلت وتأكدت أن هذا المكان هو مكاني الطبيعي، فبالتأكيد البيئة أثرت فيّ كثيراً، وعلى الرغم من أنّني اشتغلت فيها أعمالاً، إلا أنّني اعتبر نفسي مقصراً معها، فالأعمال تلي قدّمتني للجمهور السوري هي الأعمال التي كانت على تماس مع واقعي أكثر، مثل «الوزير وسعادة حرمه»، و«بقعة ضوء»، فهي التي كانت أكثر تأثيراً في الجمهور الذي يتابعني اليوم، ويهتمّ لما أقدّم.
ماذا يقول «سامر البرقاوي» عن عين الإخراج الخاصّة به؟
تجربتي خاصّة جداً، لا تشبه تجارب الآخرين، فقد استفدت من خلال عملي مع المخرج «حاتم علي» ومع المخرج «هيثم حقي»، ومؤخراً قبل أن استقل في تجاربي الخاصّة؛ كانت هناك تجربتي الحقيقيّة، التي تضمّنت صنع القرار، والمسؤوليّة، وأقصد التجربة مع المخرج «الليث حجّو» في مسلسلات «بقعة ضوء» و«أهل الغرام» ومجموعة مشاريع تشاركنا بها، فقد كنت ضمن فريق «الليث»، وبذلك سأتأثر فعلاً بما قدّمه هو شخصيّاً. ويبقى هناك هامش للتكليف، والتي هي ما ستؤثر في حجم الخيارات التي يمكن لي أن أقدّمها للمتلقي، وهذا الموضوع حسّاس جداً، ويمكن القول حتى الآن بأنّه أفضل مساحة قدّمت لي على هذا الصعيد كانت في مسلسل «تشيللو»، وسببه الثقة من الطرف الآخر بالخيار الفني الذي أقدّمه، والقبول العام لهذه التجربة بشكّلٍ متصاعد.

لماذا اتجهت للعمل خارج سورية؟ وبماذا تردّ على من يتهمك بالهروب أو الهجرة؟
عملت ثلاثة أعمال تلفزيونيّة في سورية خلال الأزمة، إضافة لمحاولة رابعة لكنّها لم تكلّل بالنجاح، ففي بداية الأحداث أخرجت «مرايا 2011»، وبعدها صوّرت مسلسل «فوق السقف»، الذي تمّ إيقاف عرضه لأسباب يطول شرحها، وبعدها خماسيّة في «صرخة روح»، وبالمحصلة في كلّ واحد من هذه الأعمال هناك أسباب ومعوّقات شكّلت حاجزاً لعدم المقدرة على تقديم العمل هنا، فالعجز هو السبب، وليس الهروب، ومن عمل معي في تلك الفترة يدرك تماماً ما قدّمته، إضافة للحجم الهائل من التنازلات في سبيل تقديم أعمالنا ضمن البلد، وبقيت حتى اللحظة الأخيرة؛ أحاول العمل هنا في البلد، ولكن ضاقت الزاوية علينا كثيراً من حواجز رقابيّة، وإنتاجيّة، وعلى مستوى النصّ أيضاً، وعموماً لم أذهب للبنان هرباً للخارج، فمنذ العمل على تصوير مسلسل «لعبة الموت» دأبت لأن تكون هناك حصة سوريّة كبيرة جداً، فطاقمي الفنّي بالكامل سوري، بداية من الكاتب، وبطل أو اثنين من سورية في التمثيل، وفريق العمل التقني، والفني، والإنتاجي يتراوح بين 90 إلى 95% منه من سورية، وعمليّاً نحن نستعين بالجغرافيا، ورأس المال فقط من خارج سورية. بالتالي أنا خارج فكرة المهاجرة من البلد، بل بحثت عن حلول، وبقيت في نصف خطوة خارج سورية، وأنا جاهز للعودة في أي لحظة، فمشاريعي قيد البحث دائماً.

هل يشكل العمل الدرامي المشترك خطراً على الدراما السوريّة؟ وأين الوجه الإيجابي له؟
الدراما السوريّة هي آليّة لصناعة دراما متنوّعة؛ من البدوي إلى التاريخي إلى المعاصر وغيرها من الأنواع، وما أقدّمه هو نوع جديد من الأعمال الوليدة الجديدة للدراما السوريّة، فالدراما السوريّة صناعة قويّة مستمرة، استطاعت إيجاد الحلول لنفسها، لتبقى حاضرة، وتتعامل مع السوق بجديّة، وحرفيّة، وهذا أفضل من البقاء في البلد من دون عمل، بل مشروع البحث هذا سيبقي للدراما السوريّة ألقها، وحضورها، وقد أبقت النجم السوري في الصدارة دائماً، فهؤلاء النجوم في كلّ الفضائيّات، ومن الملاحظ أن الأعمال الأكثر تميّزاً في الفضائيّات من ضمن المصنّف الذي نتحدّث عنه، فالدراما السوريّة ليست نوعاً بل آلية صناعة، وهي تجد لنفسها الحلول، وما فعلته هو البحث عن حلول.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن