من دفتر الوطن

الهروب إلى الخيال!!

| عصام داري 

الخيال يمنحنا لحظات فرح حتى لو كنا في وادي الأحزان السحيق، وأظن أننا نحتاج في حالنا البائس الحالي إلى نصف فرح، أو جزء من الفرح بعدما أغرقتنا الأحزان في محيطاتها، وخطفتنا الكآبة من عالم النور والبهجة، إلى عالم العتم والوحشة والغربة.
و.. الخيال يرسم شمساً مشرقة تبعث الدفء والضوء في القلوب والنفوس، على الرغم من أننا نعيش في يوم عاصف لا شمس فيه ولا قمر.
تزورني اليوم- أتخيل- نسيمات ناعمة منعشة حاملة لي ذكرى شذا أزاهير ربيع مضى، وربيع سيأتي بعد حين، لكنني واثق بأنه آت.
يشرق ربيعي أحياناً في سماء ملبدة بالغيوم السوداء، وتزهر ورودي وسط الزمهرير والجليد، أشعر بالدفء رغم العواصف الثلجية التي ألبست الحارات والشوارع والساحات والبساتين ثوباً ناصع البياض، وذلك لأنني ببساطة أرسم لوحاتي الجميلة من سحر وخيال وأمل بغد أحلى وأفضل.
حلاوة الغد تسكن في حلم جميل نتخيله آتياً إلينا مع جيش من الأزاهير والعطور، الغد الآتي يحمل الحب والنور والخير ليزيح عتمة احتلت مساحات من الأرض والروح والنفس طوال سنوات خلت.
أعرف أن الوجع كبير ومؤلم ليس للجسد فقط، بل للروح قبل ذلك، وأنني لست الوحيد الذي يتوجع طوال عمر، وربما دهر، فكلنا شركاء في الوجع قبل الفرح الذي نادراً ما يطل علينا ويرسم على عجل بسمة وهنت شفتاها ويهرب مسرعاً لأن الحزن يهزمه في كل مرة.
إلا أنني أهرب من وجعي إلى وجع الكلمات، الوجع واحد في كل الأزمنة والأمكنة، والدواء يحتكره من يصنع أوجاعنا، ومن يصنع وجعنا يأتينا مرة عابراً للحدود، من أربع جهات الأرض، ومرة من البيت المجاور، من شخص كان قبل أمتار الجار والصديق والأخ، فإذا هو سبب الألم والوجع والأحزان التي تفوق حد الخيال الذي هو نفسه ذلك الخيال الذي قلت في مطلع مقالتي هذه إنه يمنحنا لحظات فرح حتى لو كنا في وادي الأحزان السحيق.
أتهرب من اليأس، وأهرب منه، أرفض التسليم بالمكتوب، فينبع اليأس من حولي، يسيل شلالاً هادراً يهدد أحلامي، وحفنة التفاؤل التي مازالت في جعبتي أنثر بعضها على من أحب كل صباح، لكنني لا أسلم بالهزيمة.
سأكسر الوجع، سأهزم ما تبقى في جوانب نفسي من يأس، وأنضم إلى جيش من المتفائلين ودعاة الأمل، وأظن أنني لن أضل الطريق، وسأنجح إذا سار معي في دروبي عشاق الحياة ومعتنقو مذاهب الشعر والزجل والأدب والموسيقا والغناء وصناع الحب والمحبة.
نستدعي الذكريات الحلوة في يومنا المُغبرّ هذا، فهل تعني العودة للدفاتر القديمة هروباً من واقع مرير، ومستقبل ضبابي، ومفترق طرق لا أحد يعرف أيها طريق السلامة، وأيها طريق الندامة؟ وهل نسلم بالأمر الواقع ونقول إننا أفلسنا وعلينا التوقف عن العمل والأمل والتفاؤل والأحلام؟
هل نستجدي القدر بالتراتيل والدعاء والاتكال على الأمل والعزف على نغمة التفاؤل، ونهيم في الزوايا والتكايا كالدراويش والمجاذيب، وإلى متى نظل نعتمد على الأدعية والأضحية وأحلام اليقظة والتنجيم والسحر الأسود في حياتنا على أمل أن تقوم قوى غيبية بتحقيق أمانينا وطموحاتنا وإعادة حقوقنا المسلوبة والمنهوبة؟
نعرف أننا نقف في وجه حرب طاحنة يتعرض لها الإنسان، وتستهدف الإنسانية جمعاء، لكنني أثق بأننا معاً سنهزم تجار الحروب والدمار والخراب وسارقي لقمة الفقراء، وسنظل نلجأ للخيال والحلم لسرقة لحظات فرح من هذا الزمن الصعب والغدار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن