شؤون محلية

لمن نشتكي؟!

| نبيل الملاح*

كتبت في الآونة الأخيرة عدة مقالات عن قضايا وهموم تتعلق بمعيشة الناس ومعاناتهم، ولم أقف عند وصفها وتشخيصها، بل طرحت أفكاراً ورؤى لمعالجتها وتجاوزها.
لكن، وللأسف، لم أجد أو أستشعر اهتماماً جدياً بما طرحت وكتبت، رغم أن الأزمة التي تمر بها سورية تتطلب أعلى درجات الحس بالمسؤولية والعمل الجدي والمخلص لتخفيف تداعيات الأزمة في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.
لقد اتسعت دارة الفاسدين والانتهازيين والمستفيدين بشكلٍ غير مسبوق، وأصبح هؤلاء غير آبهين بحساب أو مساءلة، مستغلين ظروف الأزمة وما أفرزته من تداخلاتٍ كبيرة بين سلطات مؤسسات الدولة، أدت إلى فقدان الرقابة والمحاسبة التي انحصرت إلى حدٍ كبير بمن لا سند لهم.
أصبح المواطن الذي يعاني مشاكل كثيرة وكبيرة في حياته اليومية، غير قادر على أن يشتكي لمسؤولٍ صغير أو كبير، فالجميع يتذرع بظروف الأزمة وعدم وجود الإمكانيات، وإذا راجع المواطن دائرة من دوائر الخدمات كمركز طوارئ كهرباء أو بلدية، فيكون الرد: اشتك للوزير، وإذا أراد أن يشتكي لمدير أو مدير عام، فلن يتمكن من الوصول إلى أحدٍ منهم…؟!
إنني أسأل: أين أجهزة الرقابة والتفتيش ومديريات الرقابة الداخلية في الوزارات والمؤسسات؟ لقد اختفى دورها ولم نعد نقرأ في الصحف عن تصديها لحالات فساد أو تلاعب، اللهم ما ندر.
والسؤال الأهم: أين مجلس الشعب الذي أعطاه الدستور سلطة الرقابة على السلطة التنفيذية؟ فلم نسمع منذ زمن طويل استجواب وزير بشكل جدي، وحجب الثقة عن وزير مقصر أو مهمل ولا أقول فاسد، فهل جميع الوزراء في الحكومة الحالية والحكومات التي سبقتها يؤدون عملهم على أكمل وجه؟ وهل ما يجري في وزاراتهم والمؤسسات التابعة لها لا يعنيهم وغير مسؤولين عنه؟!
إنني أتكلم من منطلق ما أعانيه أنا وغيري من المواطنين الذين أصبحت همومهم ومعاناتهم أكبر من قدراتهم على التحمل، وسبق وذكرت الاستهتار بشكاوى قدمتها شخصياً- وأنا وزير سابق- فكيف يكون التعامل مع المواطنين الآخرين.
لابد أن يتحمل أولو الأمر مسؤوليتهم في التصدي لهذه الظواهر السلبية التي باتت تهدد كيان الدولة برمته، ولا يجوز بحالٍ من الأحوال التأخر في ذلك بحجة ظروف الأزمة.
وأقول إن إعادة البناء تتطلب البحث عن رجال دولة أكفاء ومخلصين بغض النظر عن انتمائهم السياسي، وفي الوقت ذاته التصدي لهؤلاء المنافقين والانتهازيين الذين يعيقون أي تقدم أو إصلاح أو بناء، وإن تزايدهم وانتشارهم مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالفساد ورعاته الذين يسعون لإطالة أمد الأزمة حفاظاً على مكاسبهم، بل وجودهم.
إنني أدعو الجميع إلى تحمل مسؤولياتهم والإسراع في القيام بمعالجة القضايا التي تهم الناس، وتخفيف همومهم المعيشية التي تتزايد يوماً بعد يوم.
إن سورية تستحق منا جميعاً أن نحافظ عليها بالعمل الجاد والإخلاص، لتبقى قلب العروبة النابض.
*باحث ووزير سابق

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن