قضايا وآراء

أحفاد هرتزل في «الثورة السورية»!!!

| د. بسام أبو عبد الله 

عندما كُنا نتحدث في بداية الحرب الإرهابية الفاشية على سورية عن الدور الإسرائيلي، وعن أصابع نتنياهو المتشابكة مع أصابع حكومات الآل النفطية، كان يُقال لنا: ما علاقة المطالب بالحرية، والكرامة، والديمقراطية- بإسرائيل؟ لكن الأمور فُضحت إلى حد أن مدعي المعارضة هؤلاء انتقلوا من العلاقة السرية إلى العلنية، وذلك من خلال المشاركة في مؤتمرات محضّرة مسبقاً لهؤلاء الجهابذة الذين يقيمون في عاصمة الخلافة إستانبول، ويطلقون مشروعاتهم السياسية التي تُظهر استعدادهم لتصفية قضية فلسطين، والجولان مقابل دعم إسرائيلي لثورتهم الديمقراطية الفذة- المتنورة- الداعشية- الإخوانية!!!
في تشرين الثاني 2012 نشر مركز (سابان) ورقة بحثية لسفير أميركا السابق في تركيا (إيتمار رابينوفيتش)، أشار فيها إلى أنه من الواضح (أن الوضع المجهول في سورية قد علّق قضية مرتفعات الجولان حتى وقت غير محدد، وربما يمضي وقت طويل قبل أن تناقش إسرائيل موضوع إعادة الجولان إلى سورية)، وأن (الحرب الطويلة على الدولة السورية ستنزف الطاقات البشرية، والعسكرية للجيش، وإعادة بناء الجيش السوري، والبنية التحتية السورية المدمرة سيشغل البلد لوقت طويل، وينزع فتيل أي تهديد عسكري لإسرائيل لفترة زمنية ممتدة)، كما أن (إسرائيل تستثمر صعود هذه الحركات المتطرفة لتصويرها أنها مطابقة لحركات المقاومة في المنطقة) ويرى (رابينوفيتش) أن التراجع السوري المؤقت سوف يضعف دعمها للحركات الفلسطينية ضد الاحتلال على الأقل بشكل مؤقت، وسوف يضعف الاهتمام الدولي بإيجاد حل عادل، وشامل للقضية الفلسطينية، وهو مطلب إسرائيلي واضح.
– لم يتوقف الأمر على (رابينوفيتش)، بل إن مسؤولاً أمنياً- إسرائيلياً يعمل بصفة باحث إستراتيجي في مركز (بيغن- السادات) يُدعى مردخاي كيدار، قال بالحرف الواحد في ندوة حول موقف إسرائيل من جبهة النصرة في سورية: إن (أهداف تنظيم القاعدة بكل أجنحته تتطابق مع مصالحنا، وأهدافنا) وإنه إذا ما حققت جبهة النصرة انتصاراً في سورية فستكون النتيجة:
– تقويض الجيش السوري، وهو القوة العسكرية الوحيدة التي ظلت تقف على خط المواجهة مع إسرائيل.
– تقويض الدولة السورية، وتقسيمها إلى أكثر من أربع دول.
ومن هنا فقد اعتبر أن هذه المهمة التي تقوم بها جبهة النصرة تؤدي مآلاتها إلى تحقيق مصالح إستراتيجية- إسرائيلية عليا، وأشار إلى أن قرار جبهة النصرة اعتبار (حزب اللـه) هو العدو الذي يجب قتاله، ومحاربته بلا هوادة قرار يحقق مصلحة إستراتيجية كبيرة لإسرائيل، وأن إسرائيل كانت ستدفع ثمناً باهظاً لو أنها تولت هذه المهمة بنفسها مرة أخرى مثلما أخفقت في عام 2006.
– هناك مئات الأدلة، والدراسات، والتصريحات التي تكشف، وتُعري علاقة هذه التنظيمات بمختلف تسمياتها بالكيان الصهيوني، لا بل إن إسرائيل ترتجف، وترتعد مع كل هزيمة للتكفيريين، أو مع كل مصالحة وطنية تقوم بها الدولة السورية، ولا تخفي سعادتها، وابتهاجها عندما تراقب، وتتابع سوريين يقطعون المياه عن أهلهم، وشعبهم- باسم الثورة الميمونة، وأهدافها النبيلة، ويأخذون (ملف المياه) لطاولة الأستانا، وكأنك تفاوض إسرائيلياً هناك.
قضية العلاقة السرية التي تحولت إلى علنية بين أطراف معارضة سورية، وإسرائيل كشف عنها بوضوح (أيوب قرة) نائب وزير ما يسمى تطوير (الجليل والنقب) إذ كشف في 28/5/2013 عن طلب تلقاه من المعارضة السورية لطلب العون الإسرائيلي، بداعي دعم فعالياتهم ضد القيادة السورية، وحسب قوله فقد أحال الطلب المذكور إلى رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو طالباً منه استخدام نفوذه في المحافل الدولية لزيادة الضغط على سورية، وكانت رسائل دعم، وتضامن من إسرائيليين قد تدفقت على مواقع المعارضة السورية عبر الفيسبوك.
تقرير بريطاني مؤلف من 121 صفحة نشر في 10 آذار 2012 حمل عنوان (إسرائيل ومنظمات المعارضة العربية في حقبة المحافظين الجدد) أكد أن جهاز الموساد الإسرائيلي تولى تمويل ثلاثة مشروعات سياسية، وإعلامية للمعارضة السورية متبعاً طرقاً ملتوية في التحويلات المالية بحيث يغدو من الصعب تتبعها بنكياً، وأن ضابط أمن السفارة الإسرائيلية في واشنطن وفر منذ عام 2004-2009 ملايين الدولارات من موازنة (الموساد)، وأن هذا الضابط واسمه (نيربومس) أقام علاقات مع أنس العبدة (وهو رئيس ائتلاف سابق) وأسامة المنجد حيث اجتمعا به في واشنطن مرات عديدة، كما تخللت اللقاءات اجتماعات مع وكالة المخابرات المركزية الأميركية، وأنتجت اللقاءات تمويل قناة (بردى)، ومركز أبحاث باسم (المعهد الدولي للدراسات السورية) الذي لم يصدر منذ إنشائه سوى تقرير واحد بعنوان البعث الشيعي في سورية 1991-2007)، ومن الواضح أن هذا المعهد الوهمي غير المسجل في أي دولة أسس لتمرير تقارير الموساد التي تعهدتها وحدة الأبحاث السورية في الجهاز الإسرائيلي، وأطلقه أنس العبدة في مؤتمر صحفي (نيسان 2008) من دون أن يضع اسمه عليه.
التقرير البريطاني يشير إلى أن بعض الاجتماعات عقدت في مكتب ما يسمى (جبهة الخلاص الوطني) التي كان يقودها عبد الحليم خدام بالشراكة مع الإخوان المسلمين قبل انسحاب هؤلاء منها لاحقاً.
إذا ربطنا كل ذلك مع بيان المدعو (فهد المصري) مؤخراً حول طرحه للسلام مع إسرائيل، والاستعداد لتصفية الفصائل الفلسطينية في سورية وطرد الإيرانيين، وحزب اللـه، ومشاركة بعض من يسمون أنفسهم (جيشاً حراً) في مؤتمر مخصص لهم في معهد (ترومان) للحديث عن ثورتهم المزعومة، وقاطعنا كل ذلك مع حركة التطبيع الخليجية- التي تجري باسم مواجهة إيران، وما يسمونه النظام السوري، وحزب اللـه يتبين لنا العلاقة المباشرة بين كل هذه الأطراف.
قبل أيام قال المعارض السوري (نواف البشير) على قناة الميادين: إن أسماء عديدة من المعارضة السورية زاروا الكيان الصهيوني سراً، وإن العلاقة المباشرة قائمة بينهم، والقضية لا تحتاج إلى برهان ما دام ممول المعارضة هو القطري- والسعودي وحاضنها هم الإخوان المسلمين في تركيا.
إن ما سبق ذكره يجعلنا ننظر بدهشة إلى وقاحة هؤلاء، وفجورهم وعدم وجود أي حس وطني لديهم، وهو ما يطرح على الجهات المسؤولة في البرلمان السوري، أو غيرها من المؤسسات السورية لماذا لا تتم ملاحقة هؤلاء وفقاً للقانون السوري بتهمة الاتصال مع العدو الإسرائيلي.. ذلك أنه إذا لم يتم التعاطي مع هذه الظاهرة الخطرة فإننا سوف نجد أحفاد تيودور هرتزل يحاضرون علينا بالحرية- والديمقراطية- وحقوق الإنسان، باللغة الإسلامية التي تحمل تحتها قلنسوة نتنياهو، وحقده، فالظاهرة لا تكافح بالكتابة عنها إنما من خلال إجراءات قانونية رادعة تفضح عمالة هؤلاء، وسقطاتهم الأخلاقية والوطنية، فالفرق كبير أيها السادة بين الخيانة- والمعارضة، فالمعارضة السياسية لا يمكن أن تتماهى مع أعداء شعبها، وأمتها تحت أي يافطة، وما نراه، ونسمع عنه ليس إلا خيانة موصوفة تعبر عن قذارة هؤلاء وارتباطاتهم.
– النداء إلى كل مؤسسات الدولة السورية أن تواجه أحفاد هرتزل- وبن غوريون قبل أن يتحولوا إلى ظاهرة عادية نتعاطى معها، وكأنها خبر صحفي يحتاج إلى تحليل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن