ثقافة وفن

نريد العنب وليس قتل الناطور .. الإعلام السوري إلى أين؟

| شمس الدين العجلاني

«إن اجْتَهَدْتَ فَأَصَبْتَ فَلَكَ حَسَنَتَانِ، وَإِنْ أَخْطَأْتَ فَلَكَ حَسَنَةٌ وَاحِدَةٌ – حديث شريف» ويقولون إن للحقيقة أكثر من وجه، فحين نختلف لا يعني هذا أن أحدنا على خطأ!! قد نكون جميعاً على صواب لكن كل منا يرى مالا يراه الآخر، والاختلاف في الرأي ظاهرة صحية.
وهذا رأيي حول الإعلام السوري اليوم وإغلاق المنابر الإعلامية… وقد أصيب أو أخطئ..
نقول إلى أين يسير إعلامنا السوري؟ في ظل هذه المفاجآت، وهذه الإجراءات التي تطول منابرنا الإعلامية و«الخير لأدام»؟!

الكلمة صاحبة الجلالة
كلنا نؤمن بالكلمة وأنها صاحبة الجلالة، وأنها هي الفيصل في كل أمورنا الحياتية: ألم يرد في الإنجيل المقدس (إنجيل يوحنا 1: 1): «فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللـه».
ألم تكن سورة العلق وهي سورة مكية، أول سورة نزلت على النبي محمد في السنة الثالثة عشرة قبل الهجرة. «اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم».
والآن لنعط كل ذي حق حقه… لنعط الكلمة الصادقة العاشقة المحبة المقاومة حقها علينا، لنوفر لها المكان المناسب والمنبر المناسب والبيئة المناسبة… وكم نحن أحوج ما نكون اليوم للكلمة المبدعة المقاومة التي نشهرها في وجه عدو شرس «همشري» لا أخلاقي يسعى لتدمير الحجر والبشر..

سلاح الكلمة
عبر صفحات التاريخ الإنساني كانت الكلمة هي السلاح الأقوى والأمضى من سلاح السيف والترس والدبابات والطائرات…
الكلمة أقوى من السلاح فإن أصاب السلاح هدفه فهو يصيب لمرة واحدة وتبقى الكلمة، وليس أي كلمة أو أي كتابة إنما الكلمة المبدعة الوطنية..
الكتابة الإبداعية بشتى أشكالها وأنواعها هي الأبقى والصامدة في وجه أي إرهاب أو اعتداء على حق الشعوب وتقرير مصيرها، كما أن الكتابة الإبداعية لا تنتمي لمرحلة معينة، أو زمن معيّن، ولكنها تتطور بتطور الخبرة الإنسانية فهنالك الكتابة للصحف والمجلات، والكتابة للإذاعة والتلفزيون والكتابة المسرحية والقصصية… ناهيك أن زماننا هذا صنف الكاميرا المبدعة من أهم أنواع الكتابة المقاومة، ولا ننسى أنواع الفنون الإنسانية المختلفة..
القلم المبدع الوطني الصادق هو سلاحنا الأول قبل البندقية في معركتنا والآن كم نحن بحاجته..
القلم والكلمة لا يسقطهما السلاح مهما علا شأنه، ولكن السلاح يسقط السلاح؟ فهل استطاعت القنبلة الذرية الأميركية التي سقطت على هيروشيما أن تسكت الأقلام التي قاومت إرهاب أميركا عن إظهار الحقيقة..
هل استطاع السلاح الأميركي إسكات القلم في فيتنام….؟
هل استطاع الاحتلال لبلادنا على مر العصور والأيام إسكات الكلمة السورية المقاومة والقلم الوطني الجريء؟
أليست الحرب الثقافية الفكرية هي الحرب الأقوى على مر العصور..؟
ألم تقل غولدا مائير، رئيسة الوزراء الإسرائيلية، حين تم اغتيال غسان كنفاني:
«اليوم تخلصنا من لواء فكري مسلح، فغسان بقلمه كان يشكل خطراً على إسرائيل أكثر مما يشكله ألف فدائي مسلح».

البيئة الحاضنة للكلمة
وبعد كل ذلك كيف للكلمة أن تنتشر.. كيف للكلمة أن تناضل وتقاتل في زماننا هذا؟ وما المطلوب منا كدولة أو حكومة أو مؤسسات إعلامية وثقافية لتنشيط الكلمة وإذكاء روح المقاومة.. خاصة أننا دخلنا عصر التكنولوجيا والمعلومات والبرمجيات وعالماً رحباً من الرقميات..
المطلوب الكثير والكثير من أصحاب الشأن منا، ولكن سأختصر وأقول، المطلوب منابر إعلامية «واقصد هنا كل ما يتعلق بالإعلام والفن من قنوات فضائية وإذاعات وصحف ومجلات وسينما ومسرح..» تسرح وتمرح بها الكلمة وتمارس دورها في قتال عدو شرس بجانب وأمام البندقية المقاومة.. وهنا نستطيع القول إننا وفرنا البيئة الحاضنة للكلمة المقاومة لتأخذ دورها الوطني في المقاومة والإعمار، وليس المطلوب بأي حال من الأحوال إغلاق المنابر الإعلامية لأي سبب من الأسباب، وإن ترهلت هذه المنابر الإعلامية فلنقومها ونشذبها ونقلم أظفار من أساء إليها..

عكس التيار
يقول المثل الشعبي الشهير: «نريد العنب وليس قتل الناطور» لقد ترهل إعلامنا؟ ونزل عليه إعلاميون بـ«البرشوت» وأحياناً انطبق على بعضنا قول القائل: «الصحافة عمل من لا عمل له» كل ذلك وأكثر له حيز في مؤسساتنا الإعلامية، ولكن «أن نقتل الناطور» فهذا ما لا يمكن أن نؤيده!؟
أغلقنا فضائية تلاقي! أغلقنا «الأولى» وهي القناة الأم للتلفزيون العربي السوري! أغلقنا إذاعة صوت الشعب!، ولم نزل نشهر سيف الإغلاق أمام جرائدنا اليومية وما خفي كان أعظم…
في يوم ما كانت الصحافة السورية تتربع على عرش الصحافة العربية وفي بلاد الاغتراب… في يوم ما كان شيوخ الصحافة العربية من هذه البلاد السورية وأسسوا الصحف والمجلات على مساحة الوطن العربي وبلدان الاغتراب… وفي يوم ما نصبنا مشانق الصحف والمجلات في ساحاتنا، ولم نزل ندفع حتى الآن ضريبة إغلاقنا لتلك الصحف والمجلات.. فما بالنا اليوم!

فضائية تلاقي
في الساعة الثانية عشرة ظهيرة يوم الجمعة في 14 تشرين الأول 2016 أوقفت قناة تلاقي بثها «لا حول ولا قوة إلا بالله» وتعددت الأسباب والسائد أن سبب الإقفال كما قالوا لنا ضغط النّفقات! وجميعنا يعلم أن الأهم من ضغط النفقات هو القضاء على الهدر والفساد، وأضعف الإيمان الحدّ منهما.
وقناة تلاقي هي قناة تلفزيونية أطلقتها وزارة الإعلام عام 2013 بهدف التقارب بين أطياف المجتمع السوري، والملاقاة بين توجهاتهم في جميع أنحاء سورية، ودخلت القناة موسوعة غينيس في أطول فترة بث مباشر بالعالم لمدة 70 ساعة في تشرين الثاني من عام 2014.
وامتازت « تلاقي» بأن كادرها من الشباب الواعد، ولها جمهورها ومريدوها وبخبرتي المتواضعة أعلم تماماً أن بين طيات العاملين في «تلاقي» خبرات فنية إعلامية شبابية متميزة إضافة لعدد من خريجي كلية الإعلام.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن مباشرة هل إغلاق «تلاقي» برغم كل الملاحظات التي سردوها يخدم المعركة الّتي فرضت علينا؟
ويحضرني هنا ما تناقلته مواقع نت، أن الإعلامي المعروف الدكتور فايز الصايغ الذي تبوأ العديد من المناصب الإعلامية في سورية كتب عبر صفحته الخاصة /على الفيس بوك/ يقول: «إغلاق قناة تلاقي.. إسكات لصوت سوري، وانسحاب من جبهة إعلاميه في ذروة الحرب.. كل الأسباب ساقطة حكماً …في وقت يفتح الآخرون مئات القنوات التي تستهدف وطننا والمواطن عندنا …فهم مقلوب لدور الإعلام».
والمضحك المبكي أن العالم الغبي جند آلاف وسائل الإعلام ضد بلادي.. والمضحك المبكي أن الدول العربية لديها عشرات العشرات من المحطات الفضائية، ونحن «استكتروا علينا كم فضائية» وعلى سبيل المثال في الأردن 29 محطة فضائية، وفي السودان 8 محطات وفي مصر 36 محطة وفي اليمن 15 محطة وفي السعودية 53 محطة فضائية تشن الحرب علينا! فيا للعجب!

القناة الأم
بعد أكثر من نصف قرن نغلق القناة الأم التي اعتبرت لعشرات السنين القناة الرسمية السورية، التي بدأ إرسالها مساء يوم 23 تموز 1960 من قمة جبل قاسيون في دمشق. حيث أقيمت أول محطة إرسال بقوة منخفضة لا تزيد على 10 كيلو واط تبث بالأبيض والأسود استمر إرسالها ساعة ونصف الساعة فقط في اليوم الأول من داخل استديو أنشئ بجانب محطة الإرسال فوق قمة الجبل وزادت ساعات الإرسال بعد ذلك، وأيضاً بعد ذلك ظهرت عدة فضائيات سورية «نغلقها الآن تباعاً» وأصبح العرف أن الفضائية السورية هي التلفزيون الرسمي.
القناة الأم، هي الوريث الشرعي للتلفزيون السوري، التي تبث منذ 56 عاماً، هي من أوليات القنوات التلفزيونية في الشرق الأوسط من حيث تاريخ الافتتاح، هذه «الأم» ترهلت وبدلاً من ضخ الروح في شرايينها فقد وضعناها على عتبة الباب، بل على المقصلة «وفهمكم كفاية»..

وبعد
يحكى ويحكى في بلدي الطيب المقاوم المغلوب على أمره من أشقائه كيوسف الجميل.. يحكى أن إذاعة صوت الشعب أغلقت وأن إذاعة صوت الشباب على الطريق، وأن صحفنا الرسمية «وهي حتى الآن ثلاث بدمشق» على طريق الدمج والإغلاق والله اعلم..
ولجنة الإعلام والاتصالات والتقانة في مجلس الشعب ناقشت منذ أيام الرؤية الجديدة للإعلام الوطني في المرحلة المقبلة وموضوع توزيع العمالة الفائضة لدى وزارة الإعلام والجهات التابعة لها، ولم تناقش إغلاق عدد من منابر الإعلام السورية! وأيضاً أليس من الأجدر أن نسمع رأياً ما من اتحاد الصحفيين؟ أم إنه دائرة من دوائر وزارة الإعلام؟ يا للعجب!
يا سادتي يا كرام! نحن بحاجة إلى منابرنا الإعلامية المقاومة، بحاجة إلى عشرات الفضائيات والإذاعات والصحف والمجلات، كما نحن بحاجة ماسة إلى بندقية الجندي، نحن أيضاً بحاجة أكثر إلى إبداع المقاوم بالكلمة لأن المقاومة بالكلمة هي أمضى وأقوى، ولها دورها الفعال على الصعد كافة، وهكذا آمن شهداء الإعلام السوري وأدركوا سر الكلمة المقاومة في وجه كل الطغيان وشذاذ الآفاق، وسالت دماؤهم الطاهرة لتروي تراب الوطن.. أبقوا على منابرنا الإعلامية، وقوموا الاعوجاج، وضخوا الحياة في شرايين منابرنا الإعلامية، نحن نقاوم بالكلمة، ونريد للكلمة منابرها… نحن يا سادة يا كرام نريد العنب وليس قتل الناطور…
أيها القلم قاوم… أيها الحبر لا تجف بين أيدينا، الوطن بحاجة إليك… ونحن قادمون… مقاومون… منتصرون.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن